التقيت بجارى الأستاذ «ويصا حنا ويصا» بالمقهى المفضل لى، الذى يضم أعضاء جمعية المقهورين فى الأرض التى أتشرف برئاستها.. رأيته متهللاً على غير عادته فهو يحب العبوس ويزدرى الضحك.. قال لى إن الأنبا «يؤانس» أسقف إبراشية أسيوط وتوابعها أعلن سعادته بردود فعل شعب الكنيسة بشأن قرار ضوابط ملابس النساء اللاتى يحضرن الصلوات والمناسبات الطقسية بكنائس أسيوط الأرثوذوكسية، وقد شدد بالاجتماع العام للشعب القبطى بكاتدرائية الملاك ميخائيل على أن أى سيدة ترفض ارتداء (الجواكت) أو (الجيبة) المعدة من قبل خادمات الكنيسة، عليها الانصراف من الكنيسة بمنتهى الهدوء، ولفت الأنبا «يؤانس» إلى أن القرار لا رجعة فيه.
سألته: ولماذا يفرض عليهن ذلك الزى؟!
قال موضحاً: لضمان الاحتشام الذى يليق بوقار المسيحية الصالحة المؤمنة وقدسية بيت الرب..
ثم استدرك فى زهو: وهى جواكت طويلة الأكمام.. (وجونلات) طويلة أيضاً وواسعة ولونها سمنى أو (أوف وايت).
قلت: عظيم.. إن «الأنبا» بذلك قد نَصَّب نفسه أميناً عاماً للأخلاق المرعية وحارساً عتيداً لحماية حمى الفضيلة التى تبكى وتنتحب من جراء انتهاكها بارتداء الفتيات والسيدات الملابس غير اللائقة.. إنه صاحب رسالة تنويرية رائعة وأعتقد أنه تأثر تأثراً كبيراً بكتاب «لِمَ النساء من أهل النار» الذى ألفه أحد الظلاميين من التكفيريين العظام ووصم به المتبرجات العاريات الكاسيات بالفجور، وارتكاب الفحشاء، وتوعدهن بنار جهنم.. وسبق أن اقتدى به الأنبا «بيشوى» مطران كفر الشيخ ودمياط وأمسك بعصا الوصاية الغليظة واتهم فتيات الكنيسة بالسفور غير المحمود وطلب منهن اتخاذ الفتيات المسلمات المحجبات قدوة لهن، فتصدت له الفتيات فى غضب جامح متظاهرات أمام الكاتدرائية يحملن لافتات تشير إلى اتجاهه الوهابى ذلك، وحذرن من المساس بكرامتهن.. واعتبرت «مارجريت عازر»، عضوة مجلس الشعب السابقة، توجيهاته نوعاً من التطرف الدينى والسلفية المسيحية.
ثم استدركت متسائلاً: المهم.. هذه المبادرة الطموحة فى طريق التقوى والصلاح التى أعلن عنها الأنبا التنويرى اتخذت فعلاً شكل القرار.. أم أنها مجرد «فتوى»؟!
صاح «ويصا» فى استنكار ودهشة:
يا أستاذ.. ما هذا الخلط؟!.. أقول لك الأنبا «يؤانس» تقول لى فتوى أم قرار؟!
ثم مؤكداً:
قرار طبعاً وقد سعدت به لأنه لم يلقَ اعتراضات من شعب الكنيسة.. وقد نص على ضرورة التزام المصلين بارتداء الملابس اللائقة للدخول إلى بيت الرب خصوصاً بالنسبة للسيدات والفتيات فى الصلاة بالكنيسة، والمناسبات الطقسية كالأعياد وصلوات طقس الإكليل والمعمودية.
قلت: غريبة.. وما سر سعادتك أنت بهذا القرار.. هل تعانى من تبرج زوجتك؟!
قال: لا.. أعانى من تبرج ابنتى «إيفون».. إنها تتبع الموضة وترتدى موديلات غريبة انتشرت فى الفترة الأخيرة كالبلوزات القصيرة.. وملابس السواريهات فى الإكليل.. والبنطلونات المقطعة و....
قاطعته ساخراً: كله كوم والبنطلونات المقطعة كوم.. إنها من أكبر الكبائر.. وعلامة من علامات الساعة وقيامة القيامة.. وأعتقد أن النسوة اللاتى يرتدينها هن أول الداخلات إلى جهنم وبئس المصير فى يوم الزحام.
قال ويصا:
الحمد لله.. هذا القرار جاء فى وقته المناسب لأن خطيبها (مينا) كان على وشك فسخ الخطوبة لاستيائه من ارتدائها تلك الملابس، خاصة أنه «شماس» بالكنيسة..
قلت ساخراً:
ليس هو فقط.. ولكن لأن العرى والمجون قد اجتاح المدينة كما تعلم.. ليس فى الكنيسة فقط بل أيضاً فى الحرم الجامعى.. ألم تقرأ عن عميد كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية الذى قام بجولة أمنية يفتش خلالها على اللائق وغير اللائق فى الملابس التى ترتديها الطالبات وقد أبدى د.عمر الشبكى، فى عموده اليومى بـ»المصرى اليوم» دهشته مؤكداً أن العميد حيث يقرر أن يشغل وقته بالاهتمام بأزياء الطالبات فى بلد 90% من فتياته يرتدين الحجاب فإن هذا يعنى أننا أمام خلل يصل إلى درجة الحول الكامل فى ترتيب الأولويات ويعكس حجم الانهيار الذى أصاب من نفترض أنهم مسئولون عن العملية التعليمية ومستقبلها وتطوير البحث العلمى وبحث مشاكل الطلاب.. لقد انشغل العميد بالبنطلونات المقطعة التى تظهر أجساد الطالبات وهو ما اعتبره يخالف التقاليد الجامعية، لافتاً إلى أنه خلال تجوله داخل الكلية برفقة قائد وحدة الأمن رأى طالبات يرتدين ملابس ممزقة فطلب من الأخير تتبعهن والاجتماع بهن فى مكتبه وتوعيتهن برفض هذه الملابس غير المحتشمة التى يرفضها الدين، مشيراً إلى ضرورة منع ما سماه «السفور» لمنع إثارة الغرائز من المنبع.
أى إن العميد يتقمص دور الداعية الدينى لفرض «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ويستخدم رجل الأمن كأداة تنفيذية به كمطوع من المطوعين.
ثم استدركت متسائلاً:
بالمناسبة.. ما الأداة التنفيذية التى سوف يستخدمها الأنبا «يؤانس» فى فرض القرار.. الأمن أيضاً؟!
قال ويصا:
لا.. إنها لجنة شكلتها الإبراشية من الخادمات هى التى تتولى الأمر فى دخول المصليات الكنيسة..
قاطعته صائحاً:
مطوعات يعنى بدلاً من المطوعين الرجال!!
لم يعلق وأكمل:
- تعرض الخادمات على من ترتدى ملابس لا تليق بدخول بيت الله سواء كانت قصيرة أو أكمام «كت».. أو بنطلونات مقطعة حلاً من ثلاثة: إما أن ترتدى «جاكت بلورو» أو «جونلة»، «جيبة»، وتدخل للصلاة أو تغادر ولا تدخل من الأساس.. والحل الثالث أن تسجل شكواها لدى الأنبا «يؤانس».
صحت بادعاء الانبهار والإعجاب:
- رائع.. هذا تقدم ملحوظ وتطور متصاعد فى اتجاه تأييد تدعيم حملة «الانضباط الشرعى» الذى أطلقته الجامعة على قرار المشيخة منع دخول الطلبة والطالبات بالبناطيل المقطعة والسلاسل والأساور إلى الحرم الجامعى..
ثم واجهته: تبدو واثقاً أن ابنتك سوف تذعن للقرار وأنها لن تتمرد وتغادر الكنيسة دون ارتداء الزى الذى تم فرضه عليها.. ألا تدرك أن هذا الحصار والتجريم والإدانة والتدخل السافر فى الحريات ينفر الفتيات والسيدات من الاستجابة الفوقية تلك؟!.. ألا يعتبر ذلك نوعاً من الخلط بين الخطاب الدينى والخطاب الاجتماعى الذى حسمه السيد المسيح بمقولته الرائعة:
«أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله».
ولماذا لا يتفرغ الكاهن لوظيفته الأساسية فلا يتخطى دوره الرعوى وواجباته الدينية فى فرض ثقافة الحلال والحرام وتكريس للموقف العدائى ضد المرأة بإجبارها على ارتداء الزى الذى يريده هو.. ويرى فى غيره ما يستدعى الشهوة ويثير الغرائز.. وسبق أن رفضت الكنيسة أن تكون كاهنة أو مطراناً أو بطريركية.. وربما فى قراره المقبل يفرض عليها النقاب.. وربما يمنعها من الخروج من المنزل إلا إلى القبر..
ويا عزيزى.. كلنا مطوعون ومطوعات.