عبارة «عودة مصر إلى أفريقيا» من كثرة استهلاكها فى الكلام دون الأفعال أصبحت سيئة السمعة، ولقد أخطأ الرئيسان «السادات ومبارك» فى عدم استمرار واستثمار العلاقات القوية لمصر مع الدول الأفريقية والبناء على إنجازات الرئيس «عبدالناصر» الذى ساعدها على التحرر من الاستعمار، فإذا كان للرئيس «السادات» عذره حيث قضى مدة حكمه القصيرة فى التخطيط للحرب وتحرير الأرض فليس لـ«مبارك» عذر لأنه حكم 30 سنة وأهمل أفريقيا تماماً لحساب العرب وأوروبا وأمريكا.
لا أزعم أننى خبير فى الشئون الأفريقية ولكننى ومن زيارة واحدة فقط الأسبوع الماضى إلى «غانا» اكتشفت مدى عشق الشعوب الأفريقية لمصر وأن المواطن المصرى يلقى كل الاحترام والتقدير فى أفريقيا، عكس ما يتعرض له فى الخليج وأوروبا وأمريكا، كما أن الدول الأفريقية لا تنسى مواقف مصر ومساعدتها على الاستقلال، فمعظم المناضلين الأفارقة احتضنهم «عبدالناصر»، عكس أولئك الذين يتنكرون لمصر ويعاملون أبناءها أسوأ معاملة، فلم نسمع أن مواطناً مصرياً تعرض للإهانة أو القتل والتعذيب فى دولة أفريقية، الجالية المصرية فى غانا قليلة ومعظمهم يعملون فى الشركات المصرية القليلة جداً، التقيت ببعض أصحابها (د. سعيد دراز، إبراهيم حسبو، محمد القليوبى، علاء دراز)، حيث تربطهم علاقات طيبة مع السلطات الغانية ويلقون كل الدعم والمساندة والاحترام من الشعب والحكومة هناك، المستثمرون المصريون فى غانا يطالبون بضرورة الاستفادة من العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين حالياً فى زيادة التعاون الاقتصادى، فما زالت غانا دولة بكر ومن أفضل الدول الأفريقية التى تتمتع باستقرار سياسى، فلديها حزبان كبيران يتداولان السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية حقيقية، كما أنها دولة آمنة تماماً ولديها ثروات هائلة، خاصة فى مجال الزراعة، وفرص استثمارية عظيمة، وعدد سكانها 24 مليوناً، معظم احتياجاتهم مستوردة، كما أنها بوابة لمنطقة غرب أفريقيا التى تعتبر سوقاً كبيرة تعدادها 300 مليون، الاستثمار الزراعى فى غانا قد يسهم فى حل مشكلات مصر الغذائية، فالأرض هناك متوافرة والخصوبة عالية والمياه بغزارة طوال العام، وبعض المستثمرين المصريين الذين ذكرت أسماءهم بالفعل حصلوا على مساحات شاسعة مزروعة بالأرز حالياً، ويؤكدون أنهم يستطيعون إنتاج احتياجاتنا من الأرز ومن الثروة الحيوانية.
غانا تحمل المستثمر على الرءوس والأعناق، وهو الشخص رقم واحد عندهم ويتمتع بحماية البرلمان الممثل للشعب، فالحكومات متغيرة والشعب دائم، وهو الضامن للاستثمار.
هذا المفهوم واصل حتى لسائق التاكسى ورجل المرور فى الشارع، فلا يتعرض لسيارات الشركات والمستثمرين، ورئيس غانا نفسه قام بزيارة مزرعة المستثمر المصرى حتى يشجعه ويعطى القدوة لمرءوسيه لأنه يعلم أن الاستثمار هو طوق النجاة لبلاده من أزمتها الاقتصادية.
الاستثمارات المصرية فى غانا أو فى غيرها من الدول الأفريقية معظمها مبادرات فردية دون دعم من الدولة، ولهذا أتمنى أن تنتهى هذه الحقبة من الإهمال ونستعيد دورنا فى أفريقيا لأننا سوف نكون الرابح الأكبر، العام الماضى قام الرئيس التركى بزيارة غانا ومعه 150 رجل أعمال وكان مقرراً للزيارة يومان ولكنها امتدت إلى أسبوع ولم يغادرها إلا بعد حصول أعضاء الوفد على مشروعات وأسسوا شركات تركية تعمل الآن فى كل المجالات.
بلغة سهلة وبسيطة ومباشرة كتبت هذه السطور لعلها تصل إلى المسئولين فى الدولة حتى يسعوا جاهدين إلى إنقاذ ما تبقى من علاقات والاستفادة من الفرص المتاحة حالياً للاستثمار، فسوف يصعب الحصول عليها مستقبلاً لأن الشركات الصينية والتركية والإسرائيلية تسارع الزمن فى أفريقيا، ونحن أولى بذلك، خاصة أن الحكومة المصرية لن تتحمل أى أعباء، مطلوب منها فقط تشجيع المستثمرين المصريين ودعمهم معنوياً وسياسياً، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.