ماذا تعنى العدالة؟
العدالة هى أن يعيش الإنسان مطمئناً على نفسه، وإذا شعر بالظلم أو استُلب منه حقه يستطيع أن يذهب إلى مؤسسات تعيد له هذا الحق، مع تأكيد سلامته وعدم تعرضه لمزيد من الظلم أو الانتقام.
ما هى مؤسسات العدالة؟
فى مصر نفهم أنها المحاكم وهو غير صحيح، فمؤسسات العدالة هى كل جهة منوط بها تنفيذ العدالة، بدءاً من قسم الشرطة الذى تبدأ الشكوى من عنده وتنتهى عنده أيضاً بعد صدور حكم قضائى على قوة التنفيذ فى القسم تنفيذه، أيضاً النيابة العامة التى تحقق فى البلاغ وتُعنى بجمع الأدلة، ثم المحكمة التى تدرس الوقائع وتصدر الحكم.
ولا أبالغ إن قلت إنه عند اللجوء للعدالة فى شىء يخص المرأة فكل الطرق تؤدى إلى حائط مسدود، ويمكن استخلاص كلمة واحدة هى «القوة»، من يملك القوة يسحق الطرف الآخر، ومن يلجأ للقانون فى مسائل الأسرة عادة هو الطرف الأضعف وهو السيدات.
فالمرأة لا تملك تطليق نفسها بكلمة أو حتى بمشوار واحد عند المأذون، وإنما تضطر للجوء للمحكمة متنازلة عن كل حقوقها، وإن لزم الأمر شعر رأسها، لتحصل على خُلع يستمر الشقاء فيه لنحو سنة، وإذا تجرأت وطلبت الطلاق للاحتفاظ بحقوقها، فسوف تستمر فى المحاكم لأكثر من عامين وربما أطول كثيراً، وسواء كان طلاقاً أو خلعاً فستدفع ثمناً باهظاً للتقاضى، حيث ينتظرها الويل والثبور وعذاب القبور، بلا حام ولا رادع ولا مؤسسات دولة تدعم أو تحمى.
فالسيناريو التقليدى: ما إن تطلب المرأة الطلاق أو الخلع كحق شرعى لها، تتعرض للإهانة والضرب، تلجأ للأقارب للتهدئة، تحاول الاستمرار، ولكن لا أحد يمس جوهر المشكلة، وإنما يعطى مسكنّات، ومن ثم تنفجر المشاكل مرة أخرى وتصل إلى الإهانة والضرب، تلجأ طالبة الحماية من قسم الشرطة، وهنا الشرطة فى أغلب الأحوال لا تتفاعل مع البلاغات الزوجية، إما بقناعة عدم التدخل حفاظاً على البيوت، أو بقناعة حق الرجل فى تأديب زوجته حتى لو وصل للإيذاء، أو أن ضرب سيدة ليس أولوية فى كم الجرائم التى على الشرطة متابعتها، أياً كانت الأسباب والدوافع فالنتيجة واحدة هى (اللا عدالة)، ولا دولة تحمى المرأة فعليها حماية نفسها بنفسها (كلاجئى الروهينجا)، إن كانت تملك القوة أو المال أو العائلة ربما تستطيع حماية نفسها، ربما وليس مؤكداً. إذا لجأت للنيابة لتقديم بلاغ فالوضع فى أغلب الأحوال ليس أفضل كثيراً، وأرجو أن يتفضل مكتب النائب العام بإعلان عدد بلاغات العنف المنزلى التى تصل للنيابة العامة ونسبة ما يتم التحقيق فيه ونسبة ما يُحفظ وأسباب الحفظ، وإذا تم التحقيق فى بلاغ قدمته سيدة فلا يوجد ما يردع المبلَّغ ضده عن إيذائها مرة أخرى أو الانتقام منها فى ظل غياب منظومة تحمى الضحايا وفى غياب تفهُّم الشرطة لخطورة العنف المنزلى وأهمية حماية السيدات وأطفالهن من الاعتداء، وطالما ظلت عقيدة الحفاظ على الأسرة كهيكل أهم من الحفاظ على حياة وسلامة من فى الأسرة كبشر.
وإذا نجحت المرأة فى تخطى الحواجز والوصول للمحكمة طلباً للطلاق وتبعاته من نفقة وحضانة للأطفال، فعليها دفع الغالى والنفيس للتقاضى، من مصروفات وأتعاب محامين فى أغلب الأحوال لا تملكها، من تكلفة نفسية وإنسانية وضغوط اجتماعية، من تلاعب وتزوير أغلب الأطراف، وأهمها أماكن عمل الزوج/ الأب، فى إعطاء المعلومات حول دخل الزوج، والعجيب أن كل جرائم التزوير فى شهادات دخل الزوج المقدمة من أماكن العمل لا يحاسب عليها ولا تُعد جرائم تزوير أو تضليل للعدالة، كل الشهادات الزور فى محاكم الأسرة، وهى الغالبة، لا يتم المحاسبة عليها.
ما نراه أزمة تستحق تقييم وإصلاح المنظومة كاملة وليس نصاً هنا أو فقرة هناك.