لم يكن أكثر خبراء الأمن تفاؤلا يتخيل أن فاتورة إزالة معسكرى «الإخوان المسلحين» ستقف عند هذا الرقم الذى حملته فى الساعات المبكرة من صباح الأربعاء الماضى، فكل الشواهد تؤكد أن «تجار الدم» من قيادات «جماعة الإرهاب» قد أفردوا قلاع مراكبهم ليعاودوا الإبحار مرة أخرى فى «بحور» دماء الأبرياء باتجاه «قصر الاتحادية» الذى لا يمثل عندهم شيئاً سوى أنه «حصان طروادة» لتحقيق مشروعهم «الوهمى» بإقامة الخلافة! ومع كامل الإدانة لعمليات ذبح «البسطاء» من المواطنين الذين أريقت دماؤهم نتيجة فتاوى مضللة، ظل «أثرياء الدم» من قيادات الجماعة يحشون بها عقولهم كل ليلة على مدى شهر رمضان بالكامل، وتلك المجازر التى أداروها فى مواجهة إرادة الشعب وتحديهم للدولة، فإن «تواضع» فاتورة مواجهة إرهاب الجماعة يؤكد أن رجال مؤسسة الأمن الوطنية قد التزموا أقصى درجات ضبط النفس فى إتمام عملية تحرير مصر -التى اختطفتها الجماعة باعتبارها «غنيمة» حرب أو «رهينة» لأطماع قياداتها- وهو ما أسقط منهم أكثر من 43 شهيدا.
القضية لم تعد إزالة معسكر للإرهاب فى شرق العاصمة تمترس خلف تحصيناته، أو إنهاء آخر اختار أن يواجه رمز «نهضة مصر» أمام نيل الجيزة، فتلك «اللوثة العقلية» التى أصابت «شياطين الجماعة» قد دفعتهم إلى إعمال «آلة» الإرهاب فى الوقت الذى يحددونه والمكان الذى يختارونه وبالأسلوب الذى يضمن لهم إسقاط أكبر عدد من الضحايا الأبرياء، وهو ما يضيف أعباء أخرى على المؤسسة الأمنية تستوجب اصطفاف ملايين المواطنين خلفها مثلما أحالوا يوم 26 يوليو الماضى ميادين مصر إلى كتلة بشرية رافضة للإرهاب، وأوكلت المؤسستين العسكرية والأمنية فى مواجهته تلبية لنداء الفريق أول السيسى الذى اختار الانحياز منذ اللحظة الولى لإرادة الشعب.
وعلى الرغم من أن عملية فض الاعتصامين قد جرت أخيراً بأقل الخسائر، فإن صبر الحكومة وأصحاب القرار الذى لا أدرى سببا لإطالته سوى التردد والتخبط والارتباك وارتعاش الأيدى فى مواجهة إرهاب جماعة أوهمت البسطاء من «مُختطفى الذهن» بأنها تمتلك «توكيلا إلهيا» لفرض الإسلام وإخضاع أحفاد «أبولهب» لشريعته، وهو ما أتاح الفرصة «لبقعتى الإخوان المسلحين» لأن تتسع مساحة افتراشهما وتحويلهما من اعتصام يدعى السلمية تتيحه أحكام الدستور وتقره حقوق الإنسان، إلى بؤرتين لترويع كامل المجتمع وتحدى إرادة الملايين!
وإذا كان إرهابيو الجماعة لم يكتفوا بإسالة الدماء كوسيلة للاحتفاظ بالسلطة.. وإشعال النيران فى الوطن «مؤسسات عامة.. أقسام الشرطة.. كنائس.. حتى المساجد» بزعم إنارة طريق الهداية لنا، وأسقطوا آخر أقنعتهم وكشفوا عن وجههم القبيح بالتمثيل بجثث ضحاياهم، فإن الأمر يحتم مواجهة كل ذلك بحسم واضح وفرض سيادة القانون على الجميع دون أن تتردد أصوات منافقة تعتمد ألفاظ «التسامح والوفاق وإدارة الحوار» فهى كلها أدوات لا تصلح للتصدى لإرهاب جماعة اختارت الرصاص مفردات لخطابها الإعلامى، وإشعال النيران منهجا للتفاهم وبدلا من أن تمهد الطريق لمستقبل أفضل اختارت أن تحفر قبرا لوأد الوطن! وإذا كان البعض قد آثر الهروب منذ اللحظة الأولى من تحمل المسئولية -التى كلفته بها الملايين من المواطنين- بزعم رفضه لفض الاعتصام بالقوة وإراقة الدماء، ادخارا لصورته الدولية -التى يحرص عليها فى كل مرة يصل إلى المشهد العام بوصفه سائحا أو مجرد متعاون مع الوطن بالقطعة- طمعا فى مكانة دولية رفيعة وحفاظا على رضاء «أسياد واشنطن» الذى يعتقد واهما أن كل ذلك سيمثل «مجدافا» للإبحار باتجاه الترشح لمنصب الرئاسة المصرية أو «كود» تحقيق حلم انتظار ملايين الدولارات من دور النشر العالمية مقابل «مذكراته» فى قادم الأيام، فإن الأمر يحتم «التدقيق» فى اختيار من هو جدير حقا بسداد فاتورة تحمل المسئولية الوطنية دون الهروب منها دائما!