أوائل العام الحالى كشف جهاز الرقابة الإدارية عن قضية فساد كبرى تمكن تشكيلها المكون من 8 أفراد من إهدار 13 مليار جنيه من المال العام، والخاص بالمقررات التموينية بالإسماعيلية. وخلال الشهر الحالى (أكتوبر 2017) أمر النائب العام بمنع مسئولين بشركة بترول دولية من السفر والتحفظ على أموالهما ومنعهما من التصرف فيها لتورطهما فى اختلاس مليار دولار على مدار عامين. ولم تمض سوى بضعة أيام حتى أثير لغط كبير حول اختفاء 500 مليون دولار (قرض من صندوق النقد الدولى)، وتقدم النائب خالد صالح أبوزهاد عضو مجلس النواب عن دائرة جهينة بسوهاج ببيان عاجل إلى رئيس مجلس النواب موجه ضد شريف إسماعيل رئيس الوزراء وهالة السعيد وزيرة التخطيط بسبب ضياع القرض المخصص لإعمار الصعيد، متسائلاً هل يمكن أن يختفى قرض قيمته 10 مليارات جنيه فى ظروف غامضة؟!
الوقائع والأرقام السابقة تشهد على حالة تجرؤ غير مسبوقة على المال العام. جرأة تبررها قاعدة «من أمن العقاب أساء الأدب»، جرأة تجد تفسيرها وتبريرها فى الأسلوب الذى تم التعامل به مع «نهّابة» وسارقى المال العام خلال فترة حكم حسنى مبارك. أحمد عز، على سبيل المثال، تم إلقاء القبض عليه وحبسه على ذمة قضايا تتعلق بالفساد والانتفاع من مقدرات الدولة المصرية، ثم أخلت النيابة العامة سبيله فى أغسطس 2014، بعد دفعه كفالة قدرت بمبلغ 152 مليون جنيه فى القضايا الثلاثة المتهم فيها، ولم يخجل -بعد ذلك- من التفكير فى الانخراط فى الحياة السياسية من جديد، وأعلن عن ترشحه فى انتخابات مجلس النواب 2015، وعرض التصالح مع الدولة فى قضايا الكسب غير المشروع التى تورط فيها مقابل دفع 3 مليارات جنيه. وكذلك فعل كل رجال مبارك، بعد أن يسّر لهم «التصالح مع الكسب» الهروب من الجرائم التى ارتكبوها والاحتفاظ بالأموال التى نهبوها مقابل دفع «قرشين» للدولة.
فى تقديرى أنه لا وجه للاستغراب ونحن نجد موظفين يختلسان مليار دولار، أو حين نسمع عن ضياع 500 مليون دولار تم اقتراضها من أجل إعمار الصعيد، ثم ذهبت إلى جيوب مجهولين، أو إهدار 13 ملياراً من أموال التموين. لا وجه للاستغراب فى هذه الأمور؛ فكيف يتردد مَن شاهد مَن نهبوا المليارات يفلتون مِن العقاب، فى مواصلة مسلسل النهب؟
المسألة تبدو طبيعية ومبررة. المبالغ التى أعلن عن نهبها فى الوقائع الثلاث تتجاوز الـ40 مليار جنيه مصرى. وهو مبلغ يزيد على نصف ميزانية التعليم ويزيد على إجمالى ميزانية البحث العلمى فى موازنة الدولة (2017/ 2018). تخيل أن ما يذهب لجيب فرد يقترب أو يزيد عما ينفق على شعب بأكمله فى ملفات معينة!
كشف قضايا الفساد يمثل جهداً رائعاً يستحق التحية، لكن الوقوف عند حد الكشف أمر له مخاطره. فالمواطن يصاب بحالة هلع وهو يقرأ الأرقام الفلكية التى يتورط فى نهبها شخص أو اثنان، وعندما يجد أن الفاسد لم ينَل العقاب الذى يتناسب مع حجم الجرم، وأن الدولة عجزت عن استرداد الأموال المنهوبة، فإنه يصاب بـ«خيبة الأمل»، ويفقد الثقة فى الجميع، ويبرر لنفسه المشاركة فى حفلات «النهب العام».