معركة الكمين الإرهابى «الكيلو 135 طريق أكتوبر/الواحات» وقعت 20 أكتوبر، استُشهد 16 من خيرة رجالنا، طائرات الاستطلاع قامت بعمليات بحث وتصوير حرارى، رصدت مجموعة نقاط مضيئة فى قلب الشعاب والوديان والدروب الجبلية بالصحراء الغربية، لتجمعات إرهابية، تم استهداف أحدها «الكيلو 47 طريق أسيوط/الخارجة» 27 أكتوبر، وتصفية 13، قبل الاستعانة بصور الأقمار الصناعية، والقضاء على باقى الخلية، وتحرير النقيب محمد الحايس.. انتقال مسرح العمليات من شمال سيناء إلى الصحراء الغربية تطور استراتيجى يفرض التعرف على الرؤية السياسية لحرب الواحات.
ضمن سعيها لاحتواء الحركات المسلحة بالمنطقة، استقطبت قطر حركة «حماس»، ودفعتها للانفصال عن منظمة التحرير، مولتها بـ30 مليون دولار شهرياً، منذ سيطرتها على غزة «2007»، «حماس» والإخوان كانا ضمن أدوات مخطط الفوضى، ومحاولات تطويق مصر، برعاية مثلث دعم الإرهاب «قطر، تركيا، وإيران»، «حماس» وهى تسعى للتواؤم مع المتغيرات التى أعقبت إسقاط إخوان مصر، أعلنت وثيقتها الجديدة، وأجرت انتخاباتها فى الدوحة مايو 2017، لينتهى دور «مشعل»، رجل قطر، وتتبوأ قيادة تدير شئونها من غزة.. تفاهمات «حماس» و«دحلان»، الأقرب لأبوظبى والقاهرة، وتوقيع اتفاق المصالحة مع «فتح» برعاية مصرية أحدث أزمة فى علاقات «حماس» وقطر.
«حماس» توجهت لإيران تعويضاً عن الدعم القطرى، بدأت الاتصالات ببيروت نهاية مايو، وأرسلت وفدين رفيعين لطهران «أغسطس وأكتوبر»، إيران تجاوبت للاحتفاظ بـ«حماس» تحت عباءتها.. «حماس» ثانى أكبر متلقٍّ للدعم الإيرانى بعد «حزب الله» قبل 2011، تراجع عندما اهتزت العلاقة نتيجة تأييد الحركة للثورة السورية.. لكن دعمها لـ«كتائب القسام» بالمال والسلاح والتدريب لم يتوقف، وهو ما أكدته الصواريخ الإيرانية أرض/أرض التى قصفت تل أبيب والقدس وحيفا، والمضادة للدروع التى أصابت دبابات الميركافا، أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة 2012، إيران خصصت ميزانية سنوية لـ«القسام» منذ أبريل 2015، ودعمت مشروع الطائرة الحمساوية بدون طيار.
تركيا، استقبلت جزءاً كبيراً من قيادات «حماس».. بعد مغادرتهم دمشق، اقتصر الدعم التركى على تسهيلات إقامة القادة، ومحاولة توظيف الحركة لمصلحتها الخاصة؛ خلال مفاوضات إعادة العلاقات مع إسرائيل، عرض «أردوغان» مشروع هدنة، مقابل رفع الحصار عن غزة، وضغط على الحركة لإلقاء السلاح، والتفاوض المباشر، والاعتراف بإسرائيل، «حماس» تدرك أن تركيا لم تستضف قياداتها انتصاراً للدين أو لفلسطين بل امتلاكاً لأوراق مساومة فى تعاملها مع أمريكا وإسرائيل، «أردوغان» عرض التوسط لإنهاء الانقسام بين «فتح» و«حماس»، لكن مصر فوتت عليه الفرصة، بعدها اشتكى قادة «حماس» من تعرضهم للتعقب، وتلقيهم تهديدات بالقتل، رفعوا الأمر للسلطات التركية بتخوفاتهم من تكرار الاغتيال الذى تعرّض له محمد الزوارى، مخترع طائرة «الأبابيل»، بتونس ديسمبر الماضى.
انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للحركة، ويحيى السنوار قائداً لغزة، كرَّس الانفصال داخلها، وهو الذى بدأ 2015 عندما حاولت القيادة التمرد على تبعيتها لإيران، بينما تمسكت «القسام» بعلاقتها بطهران حفاظاً على استمرار دعمها، بعد المصالحة سارعت «حماس» بإمداد أجهزة الأمن المصرية بقوائم لعناصر خطرة ومدربة، بينها قيادات انشقت عن «القسام»، وانضمت لـ«داعش سيناء»، لتبعد عن عاتقها المسئولية، «داعش» لحقتها ببيان أكد أن المنشقين عن «حماس» كانوا جزءاً أساسياً من التنظيم، مشيرة لأهم قتلاهم خلال المعارك مع الجيش المصرى «أبوعمير وأبوخالد المقدسى..».. والحقيقة أن التعاون بين «القسام» و«داعش» ليس حالات فردية، ولا تجاوزاً تنظيمياً، وإنما تبادل رسمى للمنافع؛ فقيادة الجناح العسكرى لـ«حماس» بمنطقة رفح مسئولة عن تنسيق التعاون فيما يتعلق بالتهريب من سيناء، خاصة الأسلحة، ونقل الإرهابيين المصابين لتلقى العلاج والعودة، تكرار إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل يعكس تصاعد نفوذ العناصر المُنشقة عن «القسام» بصفوف «داعش»، خاصة أن التنظيم لا يعلن فى معظم الحالات عن مسئوليته عنها، إفراج «حماس» عن «عبدالواحد أبوعذرة» بعد اعتقاله خلال زيارة إلى غزة بسبب انتمائه لـ«داعش»، وتخصص المنشقين فى العبوات الناسفة والصواريخ وقوات النخبة والكوماندوز البحرية، وارتباط موجات الانشقاق بعمليات تعويض عما لحق بالإرهابيين من خسائر، يؤكد حقيقة تبادل المنافع بين الحركة والتنظيم.
الصحراء الغربية بحدودها الممتدة لـ1050 كم، تتخللها 10 أودية صالحة للتسلل، والعديد من الواحات التى يمكن أن تتحول إلى بيئة حاضنة للإرهاب، هى المدخل البديل لمخطط استهداف مصر، ما يفسر سعيهم لتحويل ليبيا إلى محور ارتكاز يتم الانطلاق منه، رئيس أركان قطر اعترف بأن المئات من جنوده شاركوا فى العمليات العسكرية الميدانية التى أطاحت بالنظام الليبى، إجمالى الدعم القطرى للتنظيمات المسلحة الليبية قرابة المليار دولار، وتركيا دعمت بالسلاح والتسهيلات اللوجيستية، ومقاتلو «حماس» و«حزب الله» شاركوا فى المعارك.. حكومة الوفاق منعت الفلسطينيين من دخول البلاد «2015»، واعتقلت 8 فلسطينيين بتهمة التعاون مع الميليشيات 2016، تقرير لجنة خبراء ليبيا التابعة للأمم المتحدة «يونيو 2017» أكد تورط «حماس» فى دعم الجماعات الإرهابية، أحمد المسمارى، الناطق باسم الجيش، أكد العثور على وثائق تثبت تورط «القسام» فى تصنيع ألغام بمحور قنفودة، غربى بنغازى، خلال المعارك ضد «مجلس شورى ثوار بنغازى»، وضبطت فتاة بمنطقة جليانة ببنغازى ترصد مواقع الجيش لحساب «حماس» والميليشيات، والصادق الصور، رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام بطرابلس، أكد القبض على خلية تابعة لـ«حماس» سبتمبر 2017.. «حماس» ترسخ وجودها فى الباحة الخلفية لأمننا القومى.
مصر عرفت كيف تدفع «حماس» لإعادة التفكير فى مواقفها وتحالفاتها، الدولة انحازت للواقعية السياسية، وفضلت التعامل مع كافة القوى الفلسطينية، رغم صدور حكم ابتدائى يصنفها كتنظيم إرهابى، الالتزام به كان كفيلاً بحظر أى تواصل معها، الدولة تعرف كيف تتكامل أفعال مؤسساتها لتكفل أمننا القومى، وتمنح «حماس» فرصتها الأخيرة، جهود مصر فى تحقيق المصالحة الفلسطينية فوتت على دول «مثلث دعم الإرهاب» فرصة الاستغلال السياسى، وأغلقت حدودنا الشرقية أمام عملية تصدير الإرهاب القادم من غزة، ما أضر بشدة باستراتيجية دول الـ«مثلث»، وفرض تحويل ميدان المعارك إلى الصحراء الغربية، الأكثر اتساعاً فى المساحة «680.000» كم2، والأخطر تعدداً لمصادر التهديد، بهدف زيادة معدلات الضغط على الجيش والشرطة المصرية.
الرصد الاستراتيجى للمخاطر، وتتبع التغييرات المتعلقة بها، يعتبر إنذاراً مبكراً لكل أجهزة الدولة، ما يفسر تعيين مستشار لرئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجى وإدارة الأزمات، اختيار المسئول عن ملف ليبيا للمنصب يكتسب دلالة مهمة، باعتبارها ميداناً لمن يسعون للمساس بأمننا القومى.. العدو يستنفد كل أوراق الضغط، لكننا لم نواجهه حتى الآن بكل أسلحتنا، وعملية تحرير «الحايس» خير دليل.. مصر ستنتصر.