كل جيل يختلف عن الجيل الذى سبقه فى السمات وأساليب التفكير والسلوك. ستقول إنها فكرة «بديهية»، لكن كثيراً من الأفكار البديهية أحياناً ما ننساها من فرط بداهتها. نحن أمام جيل من الشباب يختلف جملة وتفصيلاً عن الأجيال التى سبقته. والوعى بما يمتاز به هذا الجيل من سمات يعد المقدمة الأولى للتعامل الناجح معه. والنجاح فى التعامل مع هذا الجيل يشكل مسألة حتمية بحسابات الأرقام. فالشباب فى مصر يشكل نسبة لا بأس بها من جملة السكان، ما يعنى أنهم كثرة تستطيع أن تغلب الواقع فى أية لحظة. يصح أن نقول إن هناك إشكاليات متنوعة لدى الكبار فى التعامل مع أبناء الجيل الجديد، وهى إشكاليات تعكس نوعاً من اختلال الوعى بسماته.
الإشكالية الأولى التى نريد أن نتوقف أمامها تتعلق بسيطرة «الأسلوب الأبوى» فى التعامل مع جيل لم يعد يكترث كثيراً بفكرة «الأب». المتأمل لعلاقة الآباء بالأبناء اليوم يلاحظ أن الأب فقد الكثير من هيبته التاريخية أمام الصغار، ولم يعد يتمتع بنفس السطوة والقدرة على صناعة القرار الأسرى، كما كان الأمر فى السابق. جيل الآباء الحالى (من 40- 60 عاماً) ينتمى إلى التراث الأبوى القديم، فهو جيل تربى على فكرة أن الأب هو «صانع القرار الأول فى الأسرة»، ونادراً ما يستعين بمشورة باقى أعضائها عندما يقرر أمراً أو يعزم عزماً. الأبوية كانت فى الماضى قانوناً يحكم الأسرة والمدرسة والجامعة والسياسة والاقتصاد. الجيل الحالى من الآباء عاش طفولته فى الفترة التى تمتد من أواخر الستينات حتى بداية الثمانينات من القرن الماضى. بعض أفراده سمعوا من يقول بعد وفاة عبدالناصر 1970: «لقد أصبحنا شعباً يتيماً»، وسمع «السادات» وهو يصف نفسه بـ«رب العائلة المصرية»، وشاهد حواراته مع شباب ذلك الزمان، وكيف كان يواجههم بسلطة الأب الذى يعلم ما لا يعلمون، ويفهم مصلحتهم أكثر منهم، وأن عليهم أن يرضخوا لوصايته.
جيل الآباء الحالى عاش شبابه مسلوب الإرادة أمام جيل الآباء، ورغم ما كان يبصره من عمليات تخريب ممنهج فى دواليب الحياة فى مصر طيلة العقود الثلاث التى حكمنا فيها «مبارك»، فإنه لم يتحرك، بل يصح القول إن قطاعاً من الآباء انخرط فى «مولد الفساد» الذى ساد هذه الحقبة، وارتاح لمعادلته، ومن لم يجد فرصة فى هذا الميدان سافر إلى الخارج وتشرّب من مال وقيم العصر النفطى، ومن لم يجد فرصة فى هذا ولا ذاك انغلق على نفسه، ونام على إحباطه وانكساره. الجيل الحالى من الآباء لم يكن له دور محسوس فى حياة الأبناء، الأمر الذى يدعونا إلى القول بأن الجيل الحالى من الشباب لا يتأثر من قريب أو من بعيد بفكرة «الوصاية الأبوية»، الإرادة الفردية هى الحكم فى أداء هذا الجيل، وليس «الإرادة الأبوية». واللافت أن الجيل الحالى من الشباب اختبر إرادته بطريقة أو بأخرى خلال السنوات الماضية، وكشفت له مشاركته الفاعلة فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 عن قدرة فريدة على «إملاء الإرادة»، ودفع الآباء إلى الانخراط فى المشهد الذين تولوا رسمه وتشكيله. وكان ذلك إيذاناً بالخروج من عصر «الوصاية الأبوية» إلى عصر «الإرادة الشبابية».