تابعت مؤخراً واقعة تعدى أحد أعضاء مجلس النواب بالصفع على عاملة الأمن فى جامعة الفيوم بعد رفضها دخول ابنته دون إبرازها كارنيه الجامعة. توقفت كثيراً أمام ملابسات الواقعة التى تناولها الجميع بالتحليل والانفعال المبرَّر دفاعاً عن حق عاملة الأمن، التى لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فى مشهد متكرر لانعدام الثقافة بين نسبة كبيرة من أهل بلادى على اختلاف مناصبهم وطبقاتهم.
لا أعرف النائب منجود الهوارى، نائب الشعب عن مركز سنورس بالفيوم، ولكننى تعرفت عليه عبر فعلته وحوار ابنته المنشور فى الصحف والمواقع مع عاملة الأمن التى لم تفعل سوى أداء مهام وظيفتها التى تتقاضى عليها أجرها بأن طلبت من فتاة تريد دخول الجامعة إبراز كارنيه الدخول. تعرفت على ابنة النائب المزهوة بموقع أبيها جهلاً حينما قالت للعاملة: «أنا بنت عضو مجلس النواب.. إنتى مش عارفة أنا مين وبنت مين؟!». إذاً القضية للعاملة هى أنها تؤدى واجبها، والقضية لابنة النائب أن العاملة لا تعرف «هى بنت مين فى مصر». والفارق بين نظرة كلتيهما للقضية شاسع. فالأولى تخشى الإخلال بوظيفتها فتُطرد منها، والثانية ترى فى ذاتها مقاماً لا يخضع لقواعد الرعاع. ولذا سارعت باستدعاء والدها الذى جاء ليسترد كرامتها المهدرة بسبب طلب الالتزام بالقواعد، فصفع الأب عاملة الأمن لتعرف حدودها! ونسى أن تلك العاملة وغيرها هم من منحوه أصواتهم ليجلس فى المجلس الموقر ولتتعالى ابنته عليهم.
ثم كان مشهد آخر يعبّر عن حاجتنا لإقرار دولة القانون الناجز الحاسم الذى لا يفرق بين الناس، تجسّد فى تحطيم طلبة الجامعة وأفراد الأمن سيارة النائب بالحجارة وكأننا فى مجتمع يبحث كل طرف فيه عن قوة يستند لها فى غياب القانون الحاسم. فإذا كان النائب يتحصن بحصانة من المفترض أنها تخص أداءه لمهامه تحت قبة المجلس، فقد احتمى الطلبة بثقافة البلطجة وأخذ الحق بالذراع. وهى ثقافة تجثم على أنفسنا فى ظل عدالة تطبيق القانون منذ سنوات.
ويأتى مشهد رئيس الجامعة فاسداً باهتاً ظالماً حينما سارع لاحتواء الموقف بمنطق «الصلح خير» و«ما يصحش» و«العين ما تعلاش على الحاجب» و«مش عاوزين شوشرة»، فكان حضور النائب فى مكتبه وقبول عاملة الأمن أو إجبارها على الصلح متوقعاً أن المشهد قد انتهى، لولا معرفة وزير التعليم العالى بالواقعة، فكان بيانه برفض الحالة شكلاً وموضوعاً ورفضه الصلح واحتكامه للقانون عبر تحقيق معلن فى الواقعة، مع تأنيب رئيس الجامعة الذى لم يراع حق فتاة فى سن بناته كان ليقيم الدنيا ويقعدها لو تعرضت إحداهن لما تعرضت له العاملة.
وبغضّ النظر عن مشاهد الواقعة المثيرة للحزن على وضع الإنسان فى بلادنا وحاجتنا لبنائه بكل ما تعنيه الكلمة، فنحن أمام أطراف بحاجة لإعادة الفهم والتوجيه، فابنة حضرة النائب بحاجة لتعلم أن الناس سواسية وأن قيمتها فى احترامها للقانون أى قانون. ولو كنت مكان رئيس الجامعة المُبجل لوقعت على تلك الفتاة عقوبة تقضى بأدائها مهام عاملات الأمن وعاملات النظافة فى الجامعة لمدة شهر وإلا فُصلت من الجامعة لتدرك أهمية احترام الآخر أياً كانت طبقته ومهنته، فكلنا ولاد ناس فى مصر. وأما الطلاب وأفراد الأمن الذين حطموا السيارة فهم بحاجة لدفع ثمن الإصلاحات ليتعلم الجميع أن أخذ الحق ليس بالذراع ولكن بالقانون. أما رئيس الجامعة فقد أثبت أننا بحاجة لرؤساء جامعات بعقول علماء ومربين وأصحاب رسالات لا رؤساء مجالس عرفية. أما النائب فقد أثبت أنه ليس بنائب عمن انتخبوه وأننا بحاجة لغيره ممن يدرك أن مهمته الدفاع عن الشعب وليس التعدى على الشعب.
نعم نحن بحاجة لعلاج ما أصابنا من فصام فى الأخلاقيات حوّلنا لمسوخ، وبحاجة إلى تجريم عبارات من نوعية «انت عارف بتكلم مين؟» و«انت ابن مين فى مصر؟» لأنها عبارات لا تولد إلا الفساد والظلم. نحن بحاجة لقضاء جديد يعيد للقانون حضوره.