فض الارتباط الخيار الأمثل الذى يتبنّاه الشباب عند الاختلاف مع الشريك، فى حين يفضّل الكبار الاستمرار مع الشريك حتى ولو كان مخالفاً أو متعباً أو مرهقاً، أياً كان هذا الشريك، زوجاً أو صديقاً أو زميلاً أو رئيس العمل أو غيره. بالطبع لكل قاعدة استثناء، فقد تجد بين الشباب مَن يؤدى بجمود الكبار، وقد تجد العكس، لكن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها. فارق كبير بين جيل الكبار الذى عاش بفكرة «الرباط المقدس»، وجيل الصغار الذى يعيش بمنطق «كل ارتباط قابل للإلغاء».
مؤشرات عديدة تمنحك بيان حالة لشباب اليوم، وكلها تؤكد لك استخفافه بمسألة «الارتباط» مع أى شريك. على سبيل المثال، معدلات الطلاق ترتفع بصورة محسوسة فى زيجات الجيل الجديد، وليس شرطاً أن يكون مردها المسألة المادية، بل قد يكون السبب الأكثر شيوعاً ما ينقص الشباب من قدرة على «التعشيش»، خلافاً للأجيال التى سبقتهم من الآباء والأجداد، الذين كان الزواج بالنسبة إليهم يمثل الطموح الأول بعد التخرج. جيل الآباء الحالى كان مشغولاً بصورة كبيرة بمسألة الزواج و«الخِلفة» وتكوين الأسرة، فى حين يبدو الشباب أكثر استخفافاً بهذه المسألة، ولو أنك سألت أياً منهم عن طموحه، فقد يقول لك: السفر، أو المال الكثير والسريع، أو شراء سيارة أو حتى شراء موبايل من الماركة إياها. وذنب الشباب فى رقبة الكبار الذين ربّوا الأجيال الجديدة على فكرة الاستهلاك. لا رباط مقدس فى حياة الجيل الجديد، لا فى زواج، ولا صداقة، ولا فى مكوث فى مكان، أو الاستمرار فى عمل، أو نمط دراسة.
الصدام بين جيل الكبار والصغار -والحال هكذا- يصبح طبيعياً، بسبب «فروق السرعات». الجيل الجديد سريع التحول قادر على التلاؤم والتعايش مع فكرة التغيير، بل قُل هو يعشقها. قد يقول قائل إن ذلك هو شأن الشباب فى كل زمان ومكان، وهو كلام فى محلّه، لكن يبقى أن الواقع التكنولوجى وظروف ومناخات العولمة التى يحيا فى ظلها شباب اليوم تجعله أقل اكتراثاً بفكرة «الرباط المقدس» من أجيال شبابية أخرى سبقته. بعد هزيمة يونيو 1967 خرج المصريون يومَى 9 و10 من الشهر الحزين يهتفون باستمرار جمال عبدالناصر، بعد أن أعلن التنحى عن الحكم. كان من بين المتجمهرين فى الشوارع شباب وعواجيز، تشاركت حناجرهم فى حالة الصراخ التى سيطرت على المصريين حينذاك، لكن الأمر اختلف عام 1968، بعد محاكمة المسئولين عن الهزيمة، إذ لم تعجب الأحكام التى صدرت الشباب على وجه التحديد، فانسال إلى الشوارع وخرج من الجامعات فى مظاهرات عارمة، مطالبين بتغيير كل شىء. مثلت هذه المظاهرات مؤشراً أولياً عبّر من خلاله شباب ذلك العصر عن تخليهم عن فكرة «الرباط المقدس بالزعيم»، ظروف المرحلة وسياقاتها لم تيّسر للفكرة «الاكتمال»، إذ لم يكن لدى شباب ذلك الجيل المعطيات والأدوات التى تتوافر للجيل الحالى. كل عصر وله أذان، وكل جيل وله ظروفه، ومن الحكمة أن تتعامل مع كل جيل تبعاً لتركيبته.