بعض الأحداث تصبح علامة فارقة فى تاريخ من عاصرها، فمهما مر الزمان، وتباينت المواقف، تظل تحتفظ لنفسها بموقع متميز فى الذاكرة، ويظل المرء فخوراً أنه قد شهدها، أو كان جزءاً منها بشكل أو بآخر.
إنها تلك العلامات التى تبقيها لنفسك، وتضيفها إلى رصيدك، بل وتحكيها لأولادك فى فخر مشوب بالاعتزاز، وأعتقد أن منتدى شباب العالم الذى يعقد فى مدينة السلام -شرم الشيخ- يستحق أن ينضم إلى تلك الأحداث بكل جدارة واستحقاق!. ربما كنت من المحظوظين الذين شهدوا هذا الحدث عن قرب، والذين لن ينسوا أبداً ما رأوه بعيونهم يحدث على أرض هذا الوادى الطيب، ويحمل من الفخر أكثر بكثير مما يحمل من الانتصارات المعنوية، بل والمادية أيضاً!
الأمر لا يحمل أدنى مبالغة، فالصورة كلها منذ اليوم الأول للمنتدى كانت تشى بتطور واضح فى شكل التنظيم عن نظيره فى المؤتمرات السابقة التى تم عقدها خلال العام الماضى، فمنذ اللحظة الأولى التى تطأ فيها قدماك شرم الشيخ، ستجد كل ما حولك يحتفى بك؛ شعار المؤتمر فى كل مكان، بدءاً من أرض المطار الذى شهد تنظيماً دقيقاً، مروراً بالشوارع كلها، حتى الأوتوبيسات وسيارات الأجرة، كلها حملت شعار المؤتمر الذى يدعو للسلام وللحوار والابتكار، ثم كان حفل الافتتاح، الذى كان مفاجأة حقيقية بالنسبة للجميع، وأولهم أنا، فينبغى أن أعترف أننى كنت أظن أن عالمية المؤتمر ستقتصر على اشتراك وفود أجنبية، أو نموذج محاكاة مجلس الأمن الذى أعلنت اللجنة المنظمة عن عقده، إلا أن الأمر قد تخطى ذلك بكثير، ربما أكثر مما كنت أتوقع أو يتوقع أحد.
لقد كان التغيير فى صيغة الخطاب التى تحولت من المحلية إلى العالمية فى وضوح شديد، فى نوعية القضايا المطروحة، والنماذج التى عرضت تجاربها. لقد كان حفل الافتتاح المبهر دليلاً على أننا نستطيع أن ندير حدثاً بهذا الحجم، وأن شباب هذا الوطن على وعى كامل بقضايا العالم من حوله، بل وكان دليلاً دامغاً على أن الرسالة قد وصلت للعالم كله، وأن العالم يشاركنا بجدية وتحمل للمسئولية أمام نفسه وأمام شبابه!
لقد كانت فقرات الحفل جميلة ومتنوعة وجريئة، وغير منحازة إلى فكرة بعينها، كانت صورة شبه متكاملة عن قضايا العالم من الإرهاب والحروب واللاجئين، كانت رسالة عن أهمية العلم والتعلم، وصرخة فى وجه الذين يتهامسون عن صورية الحدث، أو انعدام جدواه!
الطريف أن المؤتمر يقوم على تنظيمه فريق كامل متكامل من شباب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة بدفعتيه الأولى والثانية، أكثر من ألف شاب بشوش متفائل يتحرك بدقة ومهارة من حولك، يحملون من الأمل بداخلهم ما يكفى أن يصيبك بتلك العدوى الجميلة، ويؤمنون أن المستقبل لهم، فيعملون جاهدين على صناعته بأيديهم، دون النظر إلى تلك الأصوات التى تعوى لإيقاف القافلة!
المؤتمر يشهد جلسات مثمرة متعددة، تباينت بين القضايا المحلية والعالمية، ولكن الأجمل على الإطلاق فى رأيى هو ذلك التباين فى الآراء والجنسيات والاهتمامات بين شباب من مختلف دول العالم، هو تلك الرسالة التى وصلت بوضوح شديد، والتى كان مفادها أننا نستطيع أن ننظم مثل هذا الحدث، فقط إن أخلصنا النوايا، واجتهدنا فى العمل!
لقد حمل المؤتمر رسالة بدت واضحة فى شعاره «الكل من أجل السلام»، وانطلق بقوة ليبقى ويستمر، بل ويتطور عاماً بعد عام، ليصبح منفذاً لشباب العالم كله للتعبير والوجود، بل والابتكار وخلق الأفكار الجديدة،
الجميل فى الأمر أن الحدث صناعة مصرية خالصة، فهو المنتدى الأول من نوعه فى العالم، والحدث الأكبر الذى يضم جنسيات من كل دول العالم، ويضم أفكاراً من كل مكان يمكن أن يصل إليه صوت حر، كما أنه فرصة ذهبية لتنشيط السياحة فى تلك المدينة الساحرة هذا العام، والذى أرجو أن يتكرر فى العام المقبل فى مكان آخر، لتعريف العالم كله بمقاصد مصر السياحية كلها باستخدام حدث راقٍ وعظيم.
شكراً للجنة المنظمة لمنتدى شباب العالم، شكراً لكل هؤلاء الشباب الذين نسوا النوم فى الأيام الماضية تقريباً، شكراً لكل من فكر وساهم وشارك،
والشكر موصول لكل من جعلنا نفخر بمصريتنا، ونرفع الرأس بعزة ونحن نهتف «تحيا مصر»، من شرم الشيخ.