هل السيسى حقاً فى حاجة لـ«مبادرات البعض» بحملات أقل ما توصف به أنها «ساذجة» -ولا أقول إنها لا ترقى فوق مستوى «شبهات النفاق»- لدفعه إلى إعمال حقه الدستورى وإعادة الترشح لدورة رئاسية جديدة، حتى يكمل ما بدأه فور خضوعه لإرادة الجماهير عام 2014 بعد أن نزع عنه «البدلة العسكرية» ليتولى مسئولية القيادة؟!
وهل يحتاج بالفعل إلى ظهير شعبى يتمثل فى «حزب سياسى» يدفعه إلى إعلان ذلك، فريق اعتدنا على ملامح وجوههم التى تقطر «لهفة انتفاع» فى كل العصور.. ؟! ربما أملاً فى أن تتاح لهم الفرصة لتجميع «أسرابهم» خلال هذه «الدورة الرئاسية» للاقتراب من «عسل الرئاسة» -إن كان لها مثل هذا العسل- على الرغم من أن السيسى قد أعلن بوضوح منذ اللحظة الأولى أنه غير مدين بسداد أى «فواتير» لأى أحد، غير أن هؤلاء يؤمنون بـ«لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس» ويبذلون قصارى جهدهم لـ«شيطنة التجربة»؟!
قبل 3 سنوات لم يكن أمام الفريق أول عبدالفتاح السيسى -الذى كان يشغل وقتها منصب وزير الدفاع- سوى الاستسلام والخضوع لإرادة الملايين التى خرجت تطالبه بقيادة شعب «أراد الحياة» بشكل مغاير عما كان قد اعتاده على مدى عشرات السنين، وأثبت السيسى بالفعل قدرته على مواجهة ما يسميه البعض «المستحيل».
منذ تلك اللحظة برهن ملايين المواطنين على اقتناعهم به.. وتوالت مئات الآلاف من التوكيلات لترشيحه.. و«هجر» ملايين المواطنين سلبيتهم ليصطفوا يومى «26 و27» مايو 2014 أمام لجان التصويت ليدفعوه منفرداً تجاه «القصر الجمهورى».. ومن جانبه فقد تخلى السيسى الذى لم يكن أحد -عدا زملاء المؤسسة العسكرية - يعرفه من قبل ظهر يوم 12 أغسطس منذ نحو 5 أعوام بعد أن فوجئنا به وزيراً للدفاع.. إذ نزع على الفور «وجه البوكر» الذى فرضته عليه ضوابط موقعه السابق «رئيساً لجهاز الاستخبارات الحربية» وأزاح «الغموض» حول شخصيته، وتخلى عن تلك «النظارة السوداء» التى اعتاد الظهور بها وأصبح واضحاً للجميع.. منحازاً للوطن يجمع أشلاءه على غرار «لعبة puzzle» لتشكل فى النهاية دولة نتوق لتأسيسها بلا تمييز.. ولا يشعر فيها المواطن بأى خوف لا من الإرهاب ولا من تغول السلطة عليه أو تعسف الدولة ضده.. وأعلن أنه لا يمتلك وحده «احتكار الحقيقة المطلقة» ولا يسعى إلى أن يحدد للمواطن معايير الخير والشر.. الصواب والخطأ.. أو حتى المبادئ والقيم التى يجب أن يؤمن بها، بل دعا الجميع لأن يشاركوه المسئولية «من غيركم لن أستطيع أن أفعل شيئاً»..!!
لم يقف السيسى لحظة واحدة فى الطريق الذى اختاره على الرغم من أنه راهن بـ«شعبيته»- التى اعتمد فيها على تأييد قطاعات واسعة من الذين اعتبروا أن انحياز الجيش للجماهير المضادة لتيارات «التأسلم السياسى» قد أنقذ البلاد من السقوط فى «هاوية» الدولة الدينية وفوضوه للتصدى للقوى الظلامية الإرهابية- غير أن «شعبية الرئيس» قد اهتزت بعض الشىء ثمناً لتحقيق الإصلاح الاقتصادى، إذ لجأ إلى مفاجأة الجميع بتلك الحزمة من الإجراءات غير الجماهيرية مفضلاً «تآكل هذه الشعبية» و«التهاب» الشارع بدلاً من سقوط وانهيار مصر اقتصادياً!
عن السؤال الآخر حول احتياج السيسى لـ«ظهير سياسى» يتمثل فى حزب، فإن غالبية المؤيدين للفكرة ينحصرون فى «الباحثين عن المنفعة» إلى جانب بعض المتطوعين «نفاقاً» تحسباً لفائدة قد يجنونها من وراء ذلك.. وفى هذا الصدد «تُسوّق جبهة المنتفعين» ادعاء بأن مثل هذا الحزب سوف يدفع الجماهير للمشاركة السياسية ويخلق نوعاً من التفاعل بين القيادة والظهير الشعبى، وسوف يدفع الأحزاب الأخرى -104 أحزاب لم يسمع عن أغلبها أحد بمن فيهم مؤسسوها ذاتهم- إلى الاجتهاد سياسياً لتنافس الحزب الجديد وهو «ما يؤدى إلى تحقيق مزيد من الديمقراطية فى النظام السياسى».. كما يدّعون.
ولأنه يدرك تماماً «مصير الظهير الحزبى» الذى سينتهى به المطاف إلى انحساره فى شخص واحد، كما جرى فى العديد من تجاربنا «أحزاب الوسط واليمين واليسار» فى بداية إعادة الأحزاب، وبخاصة ما يتقرب منها للسلطة بدءاً بحزب مصر العربى الاشتراكى الذى «جف جماهيرياً» تماماً بمجرد أن أعلن السادات إنشاء «الحزب الوطنى» فى عام 1978، إذ سارع نواب مجلس الشعب -وقتها- بالهرولة إلى «حزب السلطة الجديد» وهو ما كان محوراً لمقالة شهيرة كتبها الراحل على أمين.. وبمضى الوقت فقد انحسر هذا الحزب تدريجياً -وقت مبارك- إلى الأمانة العامة ثم إلى لجنة السياسات «متمثلة فى النجل جمال» ثم التعبير الشهير «أنا وبعدى الطوفان»..!
ولأنه يؤمن بحتمية تحقيق إنجاز على الأرض وبأن تأسيس حزب سيكون هدفاً «لأصحاب المصالح والباحثين عن الاستفادة من أى شىء» فقد آثر أن يمضى فى طريق الإنجاز معتمداً على الظهير الشعبى أو المساندة الشعبية العفوية القائمة على «علاقة شعورية» ذات طابع خاص بينه وبين فئات عديدة من الشعب لتصبح فكرة تأسيس حزب «فكرة مؤقتة» -على الأقل- حتى إشعار آخر!
فى النهاية هل لا يزال البعض يعتقد أن قائداً مثل السيسى فى حاجة إلى مبادرات «نفاق» أو «ظهير سياسى» يصبح بالتأكيد من الوهلة الأولى «خادماً» لمصالح فئة معينة دون بقية فئات الشعب.. ولذلك «بطلّوا نفاق علشان يبنيها فعلاً».... ولك يا مصر دوماً السلامة..!