ثمة نماذج كثيرة فى التاريخ القديم والحديث لحكام اجتهدوا فى التخلص من كل من يقف فى طريق استفرادهم بالكرسى. أحياناً ما تنجح وأحياناً ما تفشل، أحياناً ما تُؤتى ثمارها، فيستفرد الحاكم بالحكم، وأحياناً ما يكون ثمن الخطوة فقد الحكم نفسه. المسألة فى الأول والآخر ترتبط بالسياقات والظروف التى تُتّخذ فيها هذه الخطوة، ومدى احترافية الحاكم وقدرته على حبك المؤامرات. ومن المهم فى البداية أن نُسجّل أن السعى إلى الحكم له قوانين وقواعد ثابتة حكاها التاريخ، أبسطها أن من يسبق إلى قضم رقبة غيره يكسب كثيراً، لكن فى المقابل قد يكون فى الخطوة حتفه إذا كان خصمه قادراً على لمّ شتاته ومنابذته على الحكم من جديد، وأخطرها أن كل شىء مباح فى لعبة الصراع على الحكم، حيث تتوارَى جميع القيم كالقرابة والصُّحبة وحتى الأخلاقيات، لحساب القيمة الكبرى المتمثّلة فى التربّع على الكرسى.
قصص التاريخ تتزاحم بتجارب من هذا النوع، حاول فيها شخص الاستفراد بالحكم، أحياناً ما يتم الأمر بحرفية تؤدى إلى النجاح، وأحياناً ما تؤدى بشكل يحكمه التهور والاندفاع، فتكون العاقبة سيئة. نجح عمر بن الخطاب وأبوبكر على سبيل المثال فى هندسة عملية انتقال الحكم إلى أبى بكر، بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم. كان أبوبكر، رضى الله عنه، يمثل الجانب اللين الذى حاول إقناع الجمع داخل السقيفة بالحجة والكلمة الطيبة، فى حين مثّل «عمر» الجانب المتشدّد الذى لم يتوانَ عن رفع السيف، حين تململ الأنصار من مسألة استبعادهم من الأمر، وفى مواجهة معارضة على بن أبى طالب. لم يكن السياق فى هذه الفترة يسمح بالحسم بالسيف، لكن الفترات التى تلتها، اختلفت فيها أمور كثيرة، فعندما اعتلى معاوية سدة الحكم وأراد أن يورثه لابنه يزيد، أشهر السيف فى يد والمال فى يد أخرى، فى مواجهة أبناء كبار الصحابة الذين كانوا يطمحون إلى الحكم، ومن بينهم الحسين بن على، فقبل منهم من قبل وعارض منهم من عارض، لكن معاوية نجح فى النهاية فى تمرير فكرة التوريث لابنه. لم يكن يزيد بن معاوية يفهم إلا فى لغة السيف، لم يتمتّع بالحنكة والدهاء اللذين تمتّع بهما معاوية، فأعمله فى رقاب أبناء الكبار من صحابة النبى، حتى خلا له الأمر، واستفرد بالحكم.
زمان كانت الدنيا على غير هذا الشكل، وكان المتصارعون على الحكم لديهم فى الكثير من الأحوال خط رجعة، لكن الأمور اختلفت فى التجارب الحديثة. ولو أنك استرجعت الخطوة التى اتخذها الرئيس السادات -رحمه الله- فى 5 سبتمبر 1981، واعتقل -أو بتعبيره تحفظ- من خلالها على مئات المعارضين لحكمه، من جميع الأطياف السياسية، فستجد أن النتيجة لم تكن على ما يرام، وأن الرئيس الراحل فقد الحكم والحياة فى حادث المنصة الشهير (6 أكتوبر 1981)، أى بعد ما يقرب من شهر واحد من خطوة تصفية معارضيه. رفع «السادات» وقتها يافطة «محاربة الفتنة الطائفية والدفاع عن الوحدة الوطنية»، لتبرير مسألة التخلص من معارضيه، والتجربة المعاصرة تشهد يافطات من نوع جديد مثل «الحرب على الفساد» وغيرها كمبرر للتخلص من المناوئين. والعجيب أن «السادات» نفسه كان يغذّى بشكل غير مباشر الصراعات الطائفية، فهو الذى أطلق الجماعات الإسلامية على الشعب، وهو الذى كان يُردّد: «أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة»، وهو الذى عدّل الدستور، لينص على أن «الإسلام دين الدولة». الكثير من أصحاب «اليافطات» ينسون وهم يبنون «ذريعة» التخلص من خصومهم السياسيين، أنهم غارقون حتى أذنيهم فى ما ينهون عنه!.