تنص المادة الرابعة والأربعون من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م على أن «تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها، كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائى ودعم البحث العلمى فى هذا المجال. وحق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع من تعديات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». وهكذا، يقرر المشرع الدستورى المصرى حق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل. من ناحية أخرى، ووفقاً للمادة الخامسة والأربعين من الدستور ذاته، «تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدى عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن فى التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء فى الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون». ويستفاد من هذا النص أن حق كل مواطن فى التمتع بالبحار وشواطئها مكفول. وطبقاً للمادة السادسة والأربعين من الدستور، «لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطنى، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال المقبلة فيها».
وفى ذات الإطار، وفيما يتعلق بالقوانين المقارنة، قضت إحدى المحاكم الاتحادية الألمانية بأنه لا ينبغى إجبار الجمهور على دفع رسوم نظير التنزه على الشواطئ الألمانية أو السباحة فى البحر. وكانت مدينة «وانجير لاند» الساحلية الواقعة على مسافة 170 كيلومتراً غرب هامبورج قد رفعت دعوى قضائية ضد اثنين من سكان المدن المجاورة طلبا منها توفير حرية الوصول إلى شاطئ بحر الشمال. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدينة تفرض رسم دخول مقداره 3 يورو مقابل دخول الشواطئ والمرافق المضافة خلال موسم الصيف، باستثناء السكان والسياح فى المدينة نفسها. وبموجب القانون الألمانى، يحق لكل شخص الدخول إلى مساحات غير مستخدمة من الأراضى، وهو حكم يقضى بإتاحة وصول الجمهور إلى الجمال الطبيعى للبلد وإتاحة فرصة الترفيه فى الهواء الطلق مجاناً. غير أن محكمة فى ولاية ساكسونيا السفلى حكمت العام الماضى لصالح مدينة «وانجير لاند»، قائلة إن الشواطئ المعنية لم تكن غير مستخدمة وأن المدينة قد استأجرتها لأغراض تجارية. ولكن قضت المحكمة الإدارية الفيدرالية فى حكمها المنشور يوم الخميس الموافق 14 سبتمبر 2017م بأن المدينة لا تستطيع منع الزائرين من الذهاب إلى الشواطئ أو السباحة فى البحر، ولكن يمكنها فقط منعهم من استخدام المرافق التى أقيمت فى هذه الشواطئ. وقالت المحكمة إن الادعاءات التى شملت الشاطئ بأكمله، وليس فقط المناطق اللازمة لتشغيل الأعمال، وضعت حدوداً مفرطة على الحرية العامة.
ويقتضى تطبيق الأحكام الدستورية سالفة الذكر أن يتم إنشاء كورنيش بطول السواحل والشواطئ المصرية، يستوى فى ذلك نهر النيل والساحل الشمالى وشواطئ البحر الأحمر، الأمر الذى يسمح لكل مواطن من المارة التمتع بالنظر إلى مياه النهر والبحرين الأبيض والأحمر، والتنزه على الشواطئ بدون أى قيد أو عائق. ومؤدى ذلك ولازمه ألا يتم السماح بإقامة أى مبانٍ أو منشآت على الشاطئ مباشرة، سواء كانت هذه المبانى أو المنشآت نادياً اجتماعياً لإحدى الهيئات العامة أو الخاصة أو كانت منتجعاً سكنياً. ولا يتم السماح بإقامة هذه المبانى أو المنشآت إلا على الجانب الآخر من الكورنيش، على النحو الموجود فى شواطئ الإسكندرية. وهذا المعنى هو المستفاد من المادة 44 من الدستور، بنصها على حظر التعدى على حرم نهر النيل. كذلك، يستفاد هذا المعنى من المادة 45، بنصها على حظر التعدى على البحار والشواطئ أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها. ويتسق ذلك مع الحديث النبوى الشريف: «الناس شركاء فى ثلاث: الماء والكلأ والنار».
والواقع أن الشواطئ المصرية فى الساحل الشمالى قد جرى استعمالها بطريقة غير رشيدة من خلال إقامة منتجعات سكانية عليها، بحيث لم يعد فى مقدور غير سكانها الاستمتاع بمنظر البحر. وإذا كان ذلك يتنافى مع أحكام الدستور، فهو يهدر على الدولة مليارات الدولارات سنوياً. والمأمول هو أن يتم إنقاذ الجزء المتبقى من الساحل الشمالى، والواقع بين مطروح ومدينة السلوم، بأن نضع له تصوراً بيئياً وعمرانياً متكاملاً، يكفل لجميع المقيمين على أرض المحروسة والسياح المقبلين إليها التمتع بمياه البحر الأبيض المتوسط وشواطئه الجميلة.. والله من وراء القصد.