على هامش «تخوين» محمد البرادعى:
لماذا نصر دوماً على عزل مفردة «الخيانة» عن سياقها الموضوعى.. وكأنها «مطلق» لا يُرى بالعين المجردة؟ نحن نقول عن الرجل الذى يزنى مع امرأة غير التى توافق عليها شرع الله «خائن»، فما بالك والأمر يتعلق بـ«وطن»؟ لماذا نستسيغ الكلمة فيما هو «اجتماعى» ولا نتحمل ذكرها فيما هو «سياسى»؟ وحتى فيما هو سياسى لا نجيزها إلا إذا كانت خيانة الوطن مرتبطة بالعدو التقليدى «إسرائيل»، وكأن معيار الخيانة هو «من تخون» وليس فعل الخيانة نفسه؟ الخيانة نسبية يا عزيزى: كنا نقول إن التطبيع مع العدو الصهيونى «خيانة» -نزولاً على ميثاق شرف وطنى لا نقاش فيه- على الرغم من أن المطبعين لم يكونوا «خونة» بالفطرة.. بل كان تطبيعهم «وجهة نظر»، فما الفارق والعدو هذه المرة يخوض حرباً شاملة ضد «الدولة المصرية»، ويقتل المصريين بلا تمييز، وأينما وُجدوا: من صحراء سيناء إلى شرفات البيوت ونوافذها؟ وإذا كان فى مقدورك أن تخدم بلدك ثم تخليت عنه وهو فى أشد الحاجة إليك.. فماذا تسمى ذلك؟ ربما لا يكون البرادعى خائناً بطبيعته، لكن استقالته فى هذا الظرف الحرج -وبغض النظر عن دوافعه- لا يمكن وصفها إلا بـ«السلوك الخائن»، فالسلوك العادى فى لحظة استثنائية قد يصبح نوعاً من الخيانة، وهو ما ينطبق على حالة البرادعى؛ إذ كان بإمكانه أن يستقيل قبل أو بعد اللحظة التى اختارها، فتصبح الاستقالة «موقفاً» شجاعاً وليس سلوكاً مشبوهاً.
■■
انتعشت مشاعر «مرتزقة 25 يناير» عقب وفاة أكثر من ثلاثين إرهابياً أمس الأول بقنبلة غاز أثناء ترحيلهم إلى السجن، واستشهد فى الواقعة نفسها خمسة من عناصر الأمن. ولا أظن أن موت هؤلاء الإرهابيين كان مجانياً أو بلا سبب، أو تم خنقهم بالغاز وهم جالسون فى مقهى أو وهم يصلون فى جامع.. لكن الغريب أن المرتزقة أطلوا بوجوههم البائسة فى توقيت واحد وبأداء ميلودرامى رفيع، وكأنهم كانوا ينتظرون هذه الواقعة ويتمنونها: أحدهم يبكى وينهنه كالنساء، والآخر أدار اسطوانة «الدم الحرام» بأعلى صوت، والثالث يطلب التحقيق فى الواقعة، والرابع يدعى أن قتل هؤلاء الإرهابيين يمثل «طعنة للضمير الوطنى». وقبل أن يكفكف هؤلاء المرتزقة دموعهم.. أخرستهم «جاهزية» إرهابيى سيناء، وأضاعت فرصتهم فى المزايدة، إذ قتلوا خمسة وعشرين جندياً من قوات الأمن المركزى قبل مرور أربع وعشرين ساعة على واقعة قنبلة الغاز، فانخرسوا! وأنا لا أعرف لماذا يصر هؤلاء المرتزقة على تجاهل كل أولئك الشهداء الذين اغتالتهم جماعة الإخوان وحلفاؤها وبلطجيتها فى كافة ربوع مصر، ولماذا لا يقرون بأن مصر تواجه حرباً شاملة.. لا مكان فيها لدموعهم الكاذبة ومواقفهم المشبوهة؟ لقد قلتها وأقولها مجدداً: دماء هؤلاء الإرهابيين ليست حراماً، لأنهم ليسوا مصريين ولا مسلمين ولا وطنيين، وإذا كان بقاء الدولة المصرية يحتم إبادتهم أو نفيهم من حياتنا.. فليكن!
■■
هناك بعض الأخطاء، وهناك قصور فى إدارة الأزمة سياسياً: هذا أمر طبيعى فى أجواء الحرب التى تعيشها مصر ضد كتائب الإرهاب الدينى. لكننى متفائل وعندى من الأسباب الكثير:
■ سقوط مرتزقة 25 يناير واحداً تلو الآخر، وآخرهم خروج البرادعى من المشهد السياسى والوطنى، مقابل ظهور كادر سياسى ووطنى نابغة هو الدكتور مصطفى حجازى، وبلغ التفاؤل حداً جعل البعض يزهو بأن مصر ضمنت مرشحين للرئاسة يتساويان فى الحظوظ: حجازى والسيسى.
■ بداية نهاية قناة «الحقيرة» القطرية، وتغير موقف الغالبية البسيطة منها، وهى أحد أخطر منابر التحريض والكراهية، والظهور المتميز لقناة «أون. تى. فى» من خلال تغطيتها للأحداث الأخيرة منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة.
■ دخول السعودية طرفاً فاعلاً فى القضية المصرية، وهو ما سيساهم فى تخفيف الضغط الدولى على مصر، كما أنه خلق حزاماً إقليمياً مهماً ومؤثراً وداعماً للموقف المصرى يضم إلى جانب المملكة كلاً من الإمارات والبحرين والأردن والكويت.
■ التعامل الذكى لأجهزة الأمن والجيش مع العناصر الإرهابية، وعدم تورطها فى سلوكيات عدوانية، رغم ما تواجهه من عنت وقلة أدب، ورغم ما تتكبده يومياً من خسائر فى الأرواح وفى أدوات عملها من أقسام شرطة ومنشآت عسكرية وسيارات.. إلخ.
■ وعى الشعب المصرى بحقيقة الموقف الأوروبى والأمريكى مما يجرى فى مصر، واستعداده لتحمل كلفة هذا الموقف والتصدى له: مادياً وسياسياً، وهو ما يعيد إلى الأذهان أجواء الستينيات.
■ أخيراً.. انقلاب السحر على الساحر وتدخل العناية الإلهية فى تحويل أخطاء وخطايا جماعة الإخوان -دون أن تقصد- إلى جزء من عملية تصفيتها واقتلاعها من التربة المصرية لعقود طويلة قادمة. صحيح أن مصر والمصريين قد تحملا تبعات وخسائر فادحة، لكنها ستكون ثمناً قليلاً بالقياس إلى حلم تطهير مصر من جحافل التخلف والفوضى.