قطاعات عديدة من السادة المواطنين غير راضية عن أداء النظام المصرى الحالى. بعض هذه القطاعات لا ترفض السيسى ونظامه ولكنها مستاءة من ارتفاع الأسعار ومن اصطياد الفقراء وحدهم وتحميلهم فاتورة الإصلاح الاقتصادى والبنيوى فى القطر المصرى. وقطاعات أخرى لا تروق لها أولويات الإصلاح وترى أن بعضها أو معظمها لا يتسق مع المتطلبات الجوهرية للمواطن المصرى الفقير أو المتوسط. ثم هناك بطبيعة الحال من يرفضون السيسى ونظامه دون تفكير لأنهم ينتمون إلى عصابة الإخوان وفروعها وأفكارها، وهناك أيضاًَ إخواننا الذين أدمنوا المعارضة الراديكالية فى عهود ماضية ويخشى كثير منهم تأييد إنجازات النظام حتى لا يقال إنهم انتقلوا من المعارضة إلى العمالة!
هذه الحالة الشعبية التى تسبق أو تواكب الاستعداد لانتخابات رئاسية بعد أسابيع قليلة لا تمثل فى واقع الأمر حراكاً سياسياً أو أيديولوجياً بقدر ما تمثل نوعاً من «البغددة الكدابة». فكل الفئات المذكورة أعلاه -مع احترامنا لحقها فى الرفض والاختلاف- لا تملك فى الحقيقة أى خيارات إيجابية أو حتى فعلية فى المشهد الانتخابى الرئاسى. الواقع يقول إن المواطن المصرى سواء كان من مؤيدى السيسى أو من معارضيه لا يستطيع فى الوقت الراهن -وربما لسنوات أخرى مقبلة- الوقوف خلف شخص آخر يمكنه إدارة البلاد فى الداخل والخارج وعلى سائر الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية بذات درجة النجاح التى حققها السيسى حتى الآن. يمكنك أن تعارض السيسى أو تعترض عليه أو ترفضه ولكنك سوف تتوقف كثيراً وطويلاً أمام كل اسم من الأسماء التى يمكن أن تحل محله. هل ترى -مثلاً- أن أخاك المواطن الحقوقى الأستاذ خالد على يستطيع أن يحكم هذا البلد؟ هل تعرف له أفكاراً أو مشروعاً سياسياً أو قدرات شخصية تتيح له التعامل الإيجابى مع ملفات لا حصر لها فى شتى شئون هذا البلد؟ وهل بوسعه استكمال مئات المشروعات التى بدأها السيسى ولم تنتهِ بعد؟ وقبل كل هذا، هل يستطيع الأخ المذكور جمع الأصوات أو التوكيلات اللازمة لقبول أوراق ترشيحه رئيساً للجمهورية؟
كرر -حضرتك- نفس هذه الأسئلة أو التساؤلات حول أى شخص آخر تدور حوله احتمالات التقدم لشغل المنصب الرئاسى.. هل ثمة فرصة لتوافق شعبى أو سياسى فى صالح الأستاذ البرادعى أو الأستاذ شفيق أو الأستاذ عمرو موسى أو الأستاذ الدكرورى أو الأستاذ جنينة أو الأستاذة الجامعية التى ترى أن الحرية هى توزيع صورها وهى ترقص على عموم الشعب المصرى؟! هل تعرف حزباً سياسياً فى مصر يمكن أن يتقدم رئيسه لانتخابات رئاسة الجمهورية ويحصل -فقط- على أصوات أعضاء الحزب؟! الواقع السياسى المرير فى هذا البلد يقول إن السادة أعضاء الأحزاب السياسية لا يمكنهم التوافق حول شخصية رئيس الحزب، فهل تراهم قادرين على دعمه رئيساً للدولة بأكملها؟!
مشكلة مصر الحقيقية ليست الانتخابات الرئاسية المقبلة، ففى كل الأحوال سوف يجتازها السيسى بسهولة، ولكن المشكلة التى ينبغى التفكير فيها من الآن هى ما سوف يحدث بعد انتهاء الفترة الثانية -والأخيرة دستورياً- للرئيس السيسى، خاصة لو تمكن خلال السنوات الأربع المقبلة من جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى ونجح فى تحسين أحوال الوطن والمواطنين.. فهل نواصل آنذاك الانسحاق السياسى الأبوى ونخرج فى الشوارع والميادين لنطالب بتعديل الدستور واستمرار الرئيس مدى الحياة؟ وهل تكفى السنوات الأربع المقبلة لإنتاج أحزاب سياسية حقيقية وقوية وواضحة المعالم؟ وهل تتمكن هذه الأحزاب -أو الحياة السياسية بصفة عامة- من إفراز شخصيات قادرة على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتفعيل النظام شبه البرلمانى الذى جاءنا به الدستور الحالى؟
إخواننا نشطاء المقاهى والبارات والجمعيات الحقوقية وشبكات التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام الأخرى يكتفون بالاعتراض على كل شىء والسخرية من كل شىء والتأويل السلبى لكل شىء ويتنافسون فى البذاءة والحقارة دون أن يكون أحدهم قادراً على إدارة مطعم كشرى وليس دولة بها مائة مليون نسمة ومائة مليون مشكلة.
لماذا لا يكف كل هؤلاء عن هذه الخيبة القوية ويحاول كل منهم السعى لتشكيل حزب سياسى أو جماعة ضغط أو حتى لوبى فئوى على شىء من الوعى السياسى والموضوعية والرغبة الصادقة فى خدمة الوطن؟
لماذا لا يحاول نشطاء الهدم التحول إلى البناء؟ لماذا لا يحاولون إقناع الناس برؤاهم ومبادئهم حتى يشاركوهم الدفاع عن هذه الرؤى وتلك المبادئ بالسياسة وليس بالبذاءة وقلة الأدب؟ وإن كان الشعب المصرى بأكمله عاجزاً عن تكوين أحزاب حقيقية ذات برامج واقعية يلتف حولها الناس وتتكون فيها كوادر وقيادات قادرة على تشكيل الحكومة وفرض السياسات التى تحقق مصالح البلاد والعباد، فهل نطلب من السيد الرئيس وحكومته أن يختار لنا أحزاباً ويختار لهذه الأحزاب أعضاءً وبرامج ونواباً فى البرلمان مثلما حدث فى عهد السادات؟ هل نحن فاشلون فى ممارسة العمل السياسى الحقيقى بسبب استبداد الرئيس والحكومة ومباحث أمن الدولة؟! أليس فى مصر حالياً أكثر من مائة حزب لا يعرف أسماءها إلا الله؟ وهل يمكن ممارسة العمل السياسى من خلال الفيس بوك والمليونيات والعبط الحيثى الذى عشناه جميعاً بين مولد ثورة يناير وانتحارها؟! الغالبية العظمى من الشعب المصرى الكريم لا يعرفون من النظم السياسية سوى النظام الأبوى الذى فتحوا عيونهم عليه منذ تحالف الكهنة والملوك فى مصر الفرعونية، كلنا نلتمس الخير والحماية من الكبير، ثم يهتف له من استظل بظله، ويلعنه كل الآخرين!!