كأنها حاجة بشرية ملحة ارتبطت بحياة الإنسان منذ آدم وحتى اليوم، الحاجة إلى «البحث عن شيطان». الله تعالى يأمر بالخير والعدل والإحسان، والشيطان يدعو إلى الشر والظلم والإساءة. ثنائية الخير والشر ثابتة فى كل الأديان. وكلها تتفق على أن الخالق مصدر الخير، والشيطان مصدر الشر. الفكرة انتقلت من الأديان إلى عالم السياسة، وأصبحت فكرة البحث عن شيطان أحد المحركات الكبرى للأحداث التى يشهدها العالم فى الماضى والحاضر. خلال حقبة الحرب الباردة، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية الشيطان فى «الاتحاد السوفيتى» و«عفريت الشيوعية»، فى حين وجده السوفيت فى أمريكا وعالمها الرأسمالى. وعندما قامت الثورة الإسلامية فى إيران كان «الخومينى» يصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر وروسيا بالشيطان الأصغر، فى وقت كانت دول الخليج -ومن ورائها الغرب- يرون أن «الخومينى» أصل الشيطنة، وأن إبليس يقول له «يا بابا»!.
بداية من القرن الحادى والعشرين، بدأت صورة الشيطان تتبلور فى «تنظيم القاعدة»، كذلك نظرت إليه كل دول العالم، وفى المقابل كان «بن لادن» ينظر إلى دول الغرب وحكام العرب كشياطين يدعون إلى الشر، فى حين أنه المخلص الوحيد الذى يدعو إلى الخير. وبعد تدمير برجى التجارة العالمية أصبح «بوش الصغير» رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يقسم العالم إلى محورين: محور الخير، ومحور الشر (الشيطان)، تماماً مثلما كان «بن لادن» يقسم العالم إلى فسطاطين: «فسطاط الكفر»، و«فسطاط الإيمان». وتحت يافطة محاربة الشيطان قامت الولايات المتحدة وإنجلترا بغزو العراق عام 2003، وتحت نفس اليافطة قام «بن لادن» باستغلال الفوضى التى ضربت بلاد الرافدين فمكّن لكوادره هناك، ومن رحم تنظيم القاعدة، خرج تنظيم «داعش» ليخوض إرهاباً ضروساً ضد من يسميهم «شياطين الإنس».
لم تتوقف لعبة الشيطنة عند هذا الحد، فعندما قامت ثورات التغيير فى العالم العربى (2011) لم يجد مناوئوها خيراً من لعبة «الشيطنة» للقضاء عليها، وتوسع الجميع فى اللعبة وأصبحت كل الأطراف «تشيطن» بعضها بعضاً. ولا يكف أصحاب لعبة الشيطنة عن البحث المستمر عن صورة تتبلور حولها الفكرة، ولو أنك استرجعت مشهد القبض على الرئيس صدام حسين -رحمه الله- والصورة التى ظهر بها على العالم، الشعر الأشعث، واللحية المستطيلة، والفم المفتوح، فلن تجدها تختلف كثيراً عن صورة «الدواعش». إنها لعبة يجيدها الجميع.
اليوم تعج المنطقة العربية بحالة «هوس للشيطنة». كل طرف يشيطن الآخر. المملكة تشيطن إيران وملاليها، وتشيطن حزب الله وزعيمه «حسن نصر الله»، وكل دول الخليج تحذو حذوها، وفى المقابل تشيطن إيران وحزب الله حكام الخليج، وتأخذ عملية الشيطنة المتبادلة أشكالاً أخرى عديدة فى دول أخرى، وبما أن من يشيطن غيره ينظر إلى نفسه على أنه مصدر الخير وراعى الإحسان، فمن البديهى أن يحارب الشيطان الداعى إلى الشر والأذى. وحقيقة الأمر أنك لو تأملت المشهد الذى تعيشه المنطقة العربية حالياً، فسوف تخلص إلى أن كل من يشيطنون هم -بالأصالة- أصدقاء مخلصون للشيطان!.