السنة والشيعة اليوم يقفون لبعضهم البعض وقفة التنين، ويبدو كل طرف منهما متحيناً لحظة ثأر من الآخر. يرى الشيعة أنهم يدافعون عن آل بيت النبى، ويذهب السنة إلى أنهم يذودون عن صحابة محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين، ضد هجمات المتشيعين. وحقيقة الأمر أن الأجداد الكبار لكل فريق كشفوا منذ فترة مبكرة عن وعى بمسألة التمسّح بهم، بهدف الدفاع عن مصالح دنيوية، وليس خدمة للدين، وقدّموا شهادات متنوعة فى هذا السياق. تعالوا بداية إلى شهادة الحسين بن على.
وقف الحسين أمام خيمته فى كربلاء ينظر إلى الأفق ويتأمل انفضاض الناس من حوله، وقال: «الناس عبيد الدنيا. والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون». لم يرضَ الحسين -كما تعلم- عن تنازل أخيه «الحسن» عن الخلافة لـ«معاوية»، وكان يعلم أن معاوية لن يرضى بأن يئول الأمر من بعده إلى الحسن، طبقاً للاتفاق المبرم بينهما، فكان أن توفى الحسن، وقيل إنه مات مسموماً، بعدها شرع معاوية فى طلب البيعة من بعده لولده يزيد. لم ينطق لسان «الحسين» ببيعة يزيد، بل كل ما حدث أن معاوية جمعه وكبار أبناء الصحابة بالمسجد وخطب فى الناس، وقال لهم إن هذا الجمع من الكبار قد بايعوا «يزيد». وبعد أن مات معاوية لم يكن لـ«الحسين» أن يسكت على التحول الخطير فى تاريخ الإسلام، باستبدال نظام الخلافة بنظام المُلك العضوض (الوراثى).
بمجرد أن تولى «يزيد»، بدأت الرسائل تتدفق إلى الحسين بن على من جانب أهل العراق يدعونه فيها إلى القدوم إليهم، ليقودهم فى معركة إعادة الوجه الناصع للخلافة الراشدة، مال «الحسين» إلى إجابة هذه الدعوة، وأخذ يعد العدة للمسير نحو العراق. وتشير كتب التاريخ إلى أن الكثير من كبار أبناء الصحابة حاولوا إثناء الحسين عن رحلته تلك، ونصحوه بالمكوث فى مكة، وكان على رأس هؤلاء «ابن عباس» و«أبوسعيد الخدرى». ويشير صاحب «البداية والنهاية» إلى أن «الحسين» بدأ يتشكك فى ما عزم عليه، وبدأ قراره فى التأرجح بين المكوث والخروج إلى العراق، وهو -فى تقديرى- قول لا ينهض أمام التحليل الموضوعى، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن «الحسين» سبق أن لام أخاه «الحسن» على التنازل عن الخلافة، وكان ينصحه بقتال «معاوية». وفى ظنى أن أكثر كتاب التاريخ حاولوا لوى عنق مواقف كبار الصحابة من مسألة خروج «الحسين» ضد يزيد، من أجل تخطئة موقفه، للتقليل من حجم الحدث الجلل الذى وقع فى كربلاء، حين أعمل السيف فى الحسين وآل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم.
وصل «الحسين» إلى العراق، فلم يجد أشياعه فى انتظاره كما توقع، بل وجد سيوف بنى أمية مشرعة تريد الولوغ فى دمه ودم أهل البيت. الكل هرول إلى الاختباء وصدقت المقالة التى أسمعها أحدهم للحسين وهو يحاول رده عن المسير إلى الكوفة، حين وصف أهل العراق بأنهم «قوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك». وقف «الحسين بن على» أمام باب خيمته فى كربلاء، وحيداً بعد أن انفض الناس من حوله قبل سويعات من استشهاده، ليشهد على أن من تاجروا بالدفاع عنه ما هم إلا «عبيد للدنيا».