قرار بسيط فى مظهره لكنه ذو دلالة أصدره رئيس الحكومة قبل أيام، وسيمثل علامة فارقة إذا ما تواصل ذلك فى سلسلة قرارات مشابهة ترسخ لعلاقة جديدة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى، وتقدم للعالم نموذجاً مختلفاً فى مصر للشراكة بين مختلف المؤسسات فى صناعة القرار.
القرار يتعلق بضم خمسة من القيادات المدنية -غير الحكوميين- العاملة فى مجالات مختلفة إلى اللجنة الوطنية المعنية بآلية المراجعة الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، منهم من كان سفيراً ومنهم خبراء حقوقيون ومن منظمات تنموية ونواب بالبرلمان، وقبلها بأسابيع كان قرار لجنة مشابهة ذات صلة بالتزاماتنا تجاه أفريقيا.
ولجنة المراجعة الدورية منبثقة من الأمم المتحدة وهى تعقد جلسات فى توقيتات محددة زمنياً لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان فى كل دول العالم وتصدر توصيات فى شأنها، ويحق للدول أن تقبل أو ترفض من هذه التوصيات ما تقرر، على أن يتم مراجعة الدولة كل أربع سنوات فى شأن التزامها تطبيق ما التزمت به، وسيحل علينا النقاش فى العام المقبل.
وتلتزم الحكومة المصرية أمام المجتمع الدولى بنحو 236 توصية لتطوير تشريعاتها وإجراءاتها فى مجالات عدة، وهى ليست ملزمة بالقطع فى تنفيذ كل ذلك خلال السنوات الأربع الفاصلة بين النقاش والمراجعة، وإنما بالتأكيد تقديم النموذج والمثال الجاد على تنفيذ التزاماتها.
وفى مصر درجت حكوماتنا المتعاقبة على تشكيل لجان للمتابعة تقتصر عضويتها على موظفى الحكومة، ما قلل من فاعليتها فى تحويل التزاماتنا إلى واقع فعلى، وساعد على تكريس هوة الخلاف بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى صاحبة الحق فى تقديم تقارير موازية للجنة الأممية.
الحاصل أن اتساع الهوة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى من العوامل التى أسهمت فى إلقاء ظلال على الموقف الرسمى من العمل الأهلى التنموى ومدى رغبة الحكومة فى توسيع الشراكة فى عمليات التنمية بمختلف معانيها وأدواتها.
ويمثل القرار الأخير نموذجاً مختلفاً يشير إلى بداية تغير فى موقف الحكومة تجاه العمل الأهلى غير الحكومى ودوره المجتمعى، إذ إن المشاركة تتيح طرح رؤى وأفكار جديدة وتوسع من دائرة النقاش والتفاعل والرقابة الشعبية.
اعتقادى أن توسيع نطاق مثل هذا القرار إلى مستويات أخرى، مثل حوار واسع حول قانون الجمعيات الأهلية أو فى توسيع لجنة إعداد اللائحة التنفيذية للقانون أو مشروعات القوانين المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مثل قانون التأمين الصحى أو الإجراءات المتعلقة بالخدمات أو فى مناقشة تعديل مشروعات القوانين ذات الصلة بالتزاماتنا الدولية وما يتعلق بالحقوق والحريات العامة، سيسجل ذلك كله أمام المجتمع الدولى رغبة الدولة المصرية فى توسيع مشاركة المنظمات غير الحكومية فى العمل العام.
إذا كنا نحتاج إلى خطاب جديد للتعامل مع العالم الخارجى فهو يعنى توجيه رسائل واضحة وقوية بتغيرات حقيقية على الأرض ليست من خلال كلمات وإنما أفعال تؤسس لواقع مختلف، وبتقديم شراكة جديدة بين أطراف الدولة المختلفة.
عمليات التنمية الناجحة تقوم على العلاقات الإيجابية والتفاعلات والتعاون بين مؤسسات الدولة، وليس على المواجهة والصراع والتنافس، والديمقراطية الصحيحة تترسخ بممارسة كل طرف لدوره فى إطار القانون ومن دون ممارسات إقصائية على الأرض.
هل سنرى قرارات جديدة تزيد مساحات الشراكة فى القرار؟