نحن «مجتمع دراويش»، والدروشة حالة تتطلب وجود طرفين، أولهما «القطب»، وثانيهما «المحاسيب». القطب هو الرمز الذى يعلو فى حيثيته وقداسته على من عداه، وفى فلكه تدور مجموعة «المحاسيب»، المولعين به والهائمين فى حبه وتبجيله واحترامه. ولا ترتبط الدروشة بمجال أو جانب دون آخر فى حياتنا، أو أفراد دون آخرين فى الواقع المعيش، الدروشة مظلة كبرى تغطينا من فوقنا وتمتد أسفل منا.
آخر حفلات الدروشة التى نشهدها فى مصر، ارتبطت بالجدل الدائر حول الشيخ محمد متولى الشعراوى، وهجوم بعض الأقلام والأصوات عليه، وحملة الدفاع المستميت التى يقوم بها محبو الشيخ ضد الهجمة عليه. المهاجمون يجدون فيما سبق أن قاله الشيخ الراحل عن سجوده لله شكراً بعد نكسة 1967 ذريعة للهجوم عليه. وحقيقة الأمر أن العبارة كانت مزعجة حين قيلت، وووجهت وقتها بردود عنيفة من جانب بعض الأقلام، خصوصاً أن الشيخ ربط بين سجدة الشكر ووجود من وصفهم بـ«الشيوعيين» على رأس الحكم آنذاك. وظنى أن الموقف السياسى من حكم عبدالناصر هو الذى سيطر على الشيخ وهو يقول هذه العبارة، وكذلك موقفه من الأفكار الاشتراكية التى سادت الستينيات. ومن المؤكد أن موقفه السياسى أمر خاص به، لكن مسألة إلباسه ثوباً دينياً هو الأمر الذى يجب التحفظ عليه. وفى مقابل هذا الرأى المزعج لا يستطيع عاقل أن يغفل اجتهاد الرجل فى التوقف أمام آيات القرآن الكريم بالشرح والتحليل والتبسيط، والربط بين الخطاب الدعوى للشعراوى وبين الخطابات التى قدمتها الجماعات الإرهابية فيه ظلم كبير للرجل، فخطاب هذه الجماعات أساسه تجهيل المجتمع وتكفير الحكام. والشيخ الشعراوى ليست له صلة من قريب أو من بعيد بهذه الأفكار التى تجد جذورها فى كتابات الباكستانى «أبوالأعلى المودودى» ومن بعده «سيد قطب». على العكس تماماً يجد المتابع لبعض الأصوات والكتابات المرتبطة بالجماعات الإرهابية انتقادات عدة يوجهونها إلى الخطاب الدعوى للشيخ الشعراوى.
يتهم القادحون فى الشيخ الشعراوى المدافعين عنه بالدروشة، وهو اتهام مضحك بعض الشىء، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن مهاجمى الشيخ لا يقلون محبة وذوباناً، بل قل دروشة، فى رموز أخرى، وفى الوقت الذى يترخصون فيه فى مهاجمة الشيخ واتهام المدافعين عنه بالدروشة، لا يتورعون عن الاندفاع إلى الدفاع غير المحسوب عن «ملاعب دروشتهم». نحن أمام مشهد لا يعتمد على التقييم العقلى، والتعامل مع البشر كبشر، قد يخطئون وقد يصيبون، قد تكون لهم سقطاتهم، وقد يكون لهم إيجابياتهم، وليس من الحكمة فى شىء أن تشطب على تاريخ وعطاء إنسان لمجرد سقطة أو رأى تختلف معه فيه، وليس من العدل أيضاً أن تستغرق فى النظر إلى إيجابيات شخص فترفعه فوق من عداه، وتغض البصر عن أخطائه أو سقطاته. قليل من العقل يمكن أن يصلح حال الدراويش، ويخرج الدولة والمجتمع من هذه الحالة فى النظر إلى الأشخاص والأحداث، الحالة التى إن دلت على شىء، فإنما تدل على عقول لا تجيد سوى الرقص بعقلها فوق «سطوح» الأشياء!.