هناك مواقف تَمُر بالإنسان تُؤثر به ويَتَعلَّم منها قيمًا عظيمةً، إليك أخى القارئ تجربة بسيطة حدثت أمام عينى أثناء مرورى بمحطة المترو، رأيتُ بعض الشباب والبنات يسْتهْزئُونَ من رجل يُنظِّفُ أرضيَّة المحطة، هذا الموقف أغْضَبَنِى جدًا مما دعَانِى للتدخُّل والتوضِيح بطريقة لطِيفة؛ ما هو الصح وما الخطأ ؟ فقَطَعْتُ ضحكَاتَهم واستهْزَائَهم بسؤال مفاجِئ؛ ما هو دور المُرَبِّى الفاضِل؟ بعد تفكير منهم ما وَجَدْتُ إلا تَبَلدًا على وجُوههِم واستِغْراب من السَّائِل ومن السُّؤَال!
وبهذه الطريقة أَخَذْتُ بعقولِهم إلى ما هو أَبْعَدُ من موقفِهم الحالى إلى معانى تُثِيرُ الذهن والفكر كمعنى ( المُربِّى) ومعنى (الفَاضِل)، فالمُربِّى الفاضِل هو الذى يَنْزَعُ المفاهيم الضارة حتى لا تُصَاب السلوكيات بأى أذَى أو ضَررْ، وأَشَرْتُ إلى أن دُور عامِل النظافة مثل المُربِّى الفاضِل تمامًا فهو يَنْزَعُ الفضلات ليُنَظِّفُ البيئة حتَّى لا يَتَلوَّثُ الهواءُ.
وبرغم ما يُعَانِيه العامِل من صُعوبة العمل والجهْد، بالإضَافة إلى النظْرة السيئة له من قِبَل المجتمع المصري، إلا أن هذه المهنة فى الدول الأُخرى لها قِيَمتُها المعنوية والمادية ولا تَقِلُّ أهمية عن أى مهنةُ أُخرى كالمعلم والطبيب وغيرهما، ودعُونَا نَتعرَّضُ لمهنةِ عاملِ النظافة فى الدول الأُخرى فيَتِمُّ تقْدِير دورهم الذى يَقُومُون به بكل كفاءة ولا يَسْتطِيعُ أحد القيام به غيرهم، فيُطْلَقُ على عامل النظافة "مهندس صيانة البيئة" فى اليابان وتُوَفِّرُ له راتبًا يتراوح ما بين 75 ألف دولار و100 ألف دولار سنويًا، أى ما يُعَادل 700 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى تجهيز منازل عمال النظافة بالكامل وتوفير كافة الأجهزة الكهربائية والترفيهية وغيرها من أشكال الحياه الكريمة لأنها مِهْنة فاضِلة بالفعل، وقامَت الحكومة اليابانية بِبِناء تماثِيل لعُمَّال النظافة فى أحد الميادين الشهيرة وذلك لتسْليط الضوء على الدور المهم الذى يقُومُون به عمال النظافة واعترافًا منها بأهميتهم فى الدولة.
وفى بريطانيا يَشْترِطْ القانون البريطانى أن يكون المتَقَدِّمُ لمِهْنة "عامل النظافة" بريطانيًا ولا يحمل أى جنسية أخرى احترامًا لتلك المهنة وتوطينها، واعتبارها من المهن التى تمس الأمن القومي، وذَكَر موقع "باى سكال" البريطانى أن متوسط دخل "عامل النظافة" البريطانى يَصِل إلى 6.71 جنيهات إسترلينى فى الساعة الواحدة أى ما يُعَادِل 66 جنيهًا مصريًا، وذَكَرتْ صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية، أن متوسط راتِب عامِل النظافة فى الولايات المتحدة الأمريكية وَصَل إلى 60 ألف دولار سنويًا أى ما يعادل 420 ألف جنيه مصري.
ووَجَدْتُ دراسة ألمانية أَعَدَّهَا معهد "فورسا"، فى مارس 2014م تقول أنَّ عامِل النظافة صاحِب أكثر الوظَائف احترامًا وتقديرًا فى العاصمة "برلين" ويأتى كمهنة بعد الطبيب مباشرة، بينما حَرصَ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "حاكم دبى" على إطلاق حملة "شكرًا لكم" لتكريم عُمَّال النظافة.
وبالنظر إلى ذلك ومقارنته بتصْرِيحَات وزير العدل السابق "المستشار محفوظ صابر" عن أن ابن عامل النظافة لا يُمكِن أن يُصْبِح قاضيًا، وهذا التصريح يُظْهِر الفارق الكبير بين النظرة إلى عامل النظافة فى مصر وخارجِها.
ولذلك يَجِبُ على الجهات المُعْنيَة ومُنَظَّمَات المجْتَمع المَدَنى العمل على تَحْسِين حياة عُمَّال النظافة داخل مصر، إضافةً إلى التَقْدِير المَعْنَوى لهم قبل المادِى وعدم السُّخْرِيَة منهم مَهْمَا كانت الظروف، وتَنْشِئَةِ الأطْفَال على مُسَمَّى يَحْتَرِم هؤُلاء الأشْخَاص فبدلًا مِنْ أَنْ يُنَادِى أحَدُهُم عليْه بمُسَمِّيَات " بتاع الزِبَالة أو "جامِعُ القُمَامة" نسْتَبْدِلُه ب" صَدِيقُ البِيئَة" كما تَفْعَلُ اليَابان.