بعض التحليلات كانت تتوقع أن تعلن الولايات المتحدة رفضها لوصول الإخوان إلى السلطة فى مصر.
وبعض التحليلات الأخرى تتصور أن الولايات المتحدة تخلت عن حلفائها من الليبراليين والعلمانيين.
ولى قراءة مختلفة، قد تكون إجمالا خاطئة وفيها بعض عناصر الصحة؛ الولايات المتحدة تبنى مواقفها من مصر ما بعد الثورة على عدد من الأسس:
أولا، هناك «عُقدة إيران» و«عُقدة شيلى» و«عُقدة الفلبين».. هذه العُقد الثلاث أصبحت علامات فاصلة فى تاريخ الدبلوماسية الأمريكية حيث تحول التدخل الأمريكى على عكس إرادة الناخبين فيها إلى رد فعلى عكسى ولّد عداءً دامَ عقودا لما نمّ عنه من احتقار الإدارة الأمريكية لإرادة شعوب هذه الدول. لذا فأوباما لا يريد أن يكون نيكسون الذى فقد شيلى أو كارتر الذى فقد إيران أو ريجان الذى فقد الفلبين بأن اختاروا أن يكونوا على الجانب الخاطئ من التاريخ، وفقا للتعبير الأمريكى.
ثانيا، هناك اتفاق، لا يحبه كثيرون رغما عن أنه منطقى، أن رقم اثنين يحل محل رقم واحد حال غياب هذا الأخير. الفريق الأول فى الدورى لآخر عدة عقود غاب عن الساحة فجأة، فمن المنطقى أن يحل محله الثانى. وهو ما يفهمه الأمريكيون. الإخوان فازوا فى كل الانتخابات التى دخلوها منذ اندلاع الثورة سواء كانت الاستفتاء أو انتخابات مجلسى الشعب والشورى أو الرئاسة وسيفوزون بالمحليات. بل لو تم عقد انتخابات مجلسى الشعب والشورى خلال سنة من الآن، وبدون خطيئة عظمى خلال تلك الفترة، فسيفوزون بالأكثرية مرة أخرى.
ولماذا نذهب بعيدا، ففى آخر انتخابات نزيهة فى مصر فى عهد مبارك (2005) تغلب الإخوان على الحزب الوطنى، ففى حين فاز الحزب الوطنى بحوالى ثلث المقاعد، فاز الإخوان بـ 73٪ من المقاعد التى جرى عليها التنافس النزيه فى الجولتين الأولى والثانية (88 مقعدا من 120).
إذن فوز الإخوان بالانتخابات، من وجهة النظر الأمريكية، من حقائق مصر ما بعد الثورة إلى أن يجد جديد.
ثالثا، العدو المستقر الذى يمكن احتواؤه، أفضل من الحليف غير المستقر، وقطعا أفضل من العدو الذى لا يمكن احتواؤه. لا تريد الولايات المتحدة، ولا أى دولة فى العالم الغربى، أن تكون مصر مثل باكستان حيث تكون الولايات المتحدة حليفا للحكومة وعدوا للشعب إن هى رفضت إرادة الناخبين. احتواء دولة مثل مصر وهى مستقرة (أى لها عنوان واحد يمكن مراسلتها عليه وهو الحكومة المصرية) سيضمن استقرارا للمنطقة كلها، شريطة أن يمكن احتواؤها. كيف؟
رابعا، الولايات المتحدة تعرف ما الذى تريد من مصر، والإخوان مستعدون للتلاقى مع الولايات المتحدة على هذه الأمور. الأمريكان مستعدون للتعاون مع أى حكومة تستوفى خمسة شروط: تحقق أمن إسرائيل، تقاوم القوى المناوئة للغرب فى المنطقة (وعلى رأسها إيران)، تضمن العبور الآمن فى قناة السويس، تلتزم بأى صيغة من صيغ اقتصاد السوق، تلتزم بالحقوق والحريات الأساسية للمرأة والأقليات ليس عن التزام حقيقى بهذه الحقوق من قبل الولايات المتحدة ولكنها الأداة الأسهل لشيطنة نظم الحكم التى لا تلتزم بها.
الأمريكان يعرفون المأزق الاقتصادى الذى تمر به مصر: ناس كثيرة وموارد قليلة وسوء إدارة لكل منهما. إذن لا ينبغى أن تغرق مصر، لا بد أن تطفو فقط، ولكن لا بد ألا تسبح بسرعة عالية حتى لا تكون مركز قوة؛ لا بد أن تظل رجل المنطقة المريض، لا تصح ولا تموت، لا بد أن يكون سكانها كثيرين وغير متعلمين وأن تتسول من الآخرين. وهذا مضمون من وجهة نظر الأمريكان، ولن يستطيع تغييره الإخوان، على الأقل على المدى القصير.