مؤكد أن «مذبحة الساجدين» التى شهدها مسجد الروضة بالعريش يوم الجمعة الماضى ستشكل محطة فاصلة فى مسار المواجهة مع الإرهاب، يختلف ما قبلها عما بعدها. حتى الآن لم تعلن مجموعة إرهابية معينة مسئوليتها عنها، لكن أياً كان من فعلها فقد وصل بالمواجهة إلى حافة الهاوية. الحدث كان ضخماً واستثنائياً بكل المقاييس، قياساً إلى عدد الشهداء الذين سقطوا فيه (305 شهداء)، وتمركز أغلبهم فى واحدة من أكبر القبائل السيناوية، ناهيك عن التجرؤ على حرمة المساجد وإراقة الدم الطاهر المصلى دون احترام لقداسة المكان، والقسوة الواضحة التى نُفذت بها العملية، حين لم يرحم مرتكبوها طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة ولا رجلاً. عملية إرهابية بهذا الحجم لا بد أن تضع حداً فاصلاً بين ما قبلها وما بعدها.
المجموعة التى نفذت هذه الجريمة أحدثت شرخاً فى مركب الإرهاب فى مصر. ومن المعلوم أن هناك مجموعات إرهابية متنوعة ظهرت على الساحة المصرية خلال السنوات الأخيرة، كان أبرز ما يجمعها التوحد ضد قوى الأمن المدافعة -من وجهة نظرهم- عن النظام الحاكم، وبالتالى وجهت أغلب عملياتها إلى عناصر مكافحة الإرهاب. والتجربة تقول إن أول تنظيم بدأ يتوجه نحو سفك دماء المدنيين هو تنظيم «داعش» عبر عمليات التفجير التى قامت بها عناصره ضد المصلين بالكنائس. اليوم أصبح الجميع فى مرمى نيران الإرهاب، لا فارق فى ذلك بين مدنى وعسكرى، أو مسلم ومسيحى، أو مدنى يسير فى الشارع، أو يركع ويسجد لله داخل مسجد. الجهة أو المجموعة التى قامت بتنفيذ مذبحة الساجدين بمسجد الروضة وضعت نفسها فى مواجهة هؤلاء جميعاً. وهو تحول سيكون له تداعياته على مجمل المواجهة خلال الأشهر المقبلة.
النقطة الثانية الفاصلة تتعلق بما تؤشر إليه العملية من توسع وتمدد فى مساحة الإرهاب. ولا خلاف على أن الملابسات التى أحاطت بمذبحة الساجدين تؤشر إلى أن من نفذها لم يعد يقيم اعتباراً أو وزناً لأى شىء وهو ينفذ مخططه المتعلق فى إدخال مصر والمصريين فى حالة يمكن وصفها بـ«الإرباك العام». وفى طريق تحقيق هذا الهدف فليس من المتوقع أن تكون هناك أهداف معصومة من نيرانه وإرهابه خلال الأيام المقبلة. فمن يرخّص لنفسه قتل المصلين داخل مسجد بإمكانه أن يضرب فى أى اتجاه. وهو تحول يحمل فى أحشائه مخاطر جسيمة، ويؤشر إلى الدخول فيما يمكن وصفه بـ«المواجهة المفتوحة» التى لا يستطيع أحد التنبؤ بمساراتها.
نقطة ثالثة أجد أنها تجعل من «مذبحة الساجدين» محطة فاصلة بين ما قبلها وما بعدها تتعلق بالواقع الأهلى داخل سيناء. يقول بعض أهالى سيناء إن المذبحة تسببت فيما يشبه الإبادة لقرية بأكملها، قرية تنتمى إلى واحدة من كبرى القبائل داخل سيناء. والفكر القبلى يقيم -كما تعلم- وزناً كبيراً لموضوع «الثأر». وانفتاح الملف السيناوى على هذا النحو ينذر بمخاطر جمة تستوجب التدخل العاقل من جانب المسئولين حتى لا يتسع الخرق على الراقع أكثر مما هو متسع. فى كل الأحوال هناك أعباء كبرى أصبحت مفروضة الآن على الجميع، ترتبط بما يمليه الظرف من ضرورة المشاركة فى مواجهة هذا الخطر.
لله الأمر من قبل ومن بعد.