ما حدث فى مسجد الروضة يوم الجمعة الماضى ربما يعد ثانى أكبر فعل إرهابى يوجه للمدنيين بعد ضرب برجى مركز التجارة العالمى فى 11 سبتمبر 2001، خاصة أن مصر والولايات المتحدة الأمريكية من الدول المستقرة التى لا تشهد أرضها حروباً أهلية واقتتالاً يومياً بين فصائل وجماعات متناحرة يمكن أن ينتج عنه هذا العدد الضخم من الشهداء على غرار ما يحدث فى سوريا وليبيا والعراق، وما يتبع ذلك من مذابح وتفجيرات يومية.
تختار العناصر الإرهابية عملياتها بناء على حسابات منطقية من وجهة نظرها، سواء فى توقيت تنفيذ عملياتها أو فى مكان التنفيذ أو الفئة المستهدفة، وتنفيذ عمليات إرهابية خلال أيام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف دليل على ذلك، فضلاً عن أن استهداف مسجد أثناء صلاة الجماعة يوم الجمعة هو مرحلة جديدة مختلفة، لها دلالتها فى فقد الاتصال التنظيمى إلى حد كبير بينها وبين من يحركها أو يمولها أو يمدها بالسلاح سواء من الداخل أو الخارج.
لم يكن رد فعل الكنائس المصرية (الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية) غريباً.. فهو يكشف الدور الوطنى المقدر لتلك الكنائس التى تعرف قيمة وجود الوطن وبقائه.. رغم كل التحديات والمشكلات، لقد علم البابا تواضروس الثانى بأمر الحدث الإرهابى بعد إجرائه لعملية شديدة الحساسية فى أحد مستشفيات ألمانيا، وانزعج كثيراً لتجاوز الإرهابيين للمحرمات فى قتلهم لمواطنين مصريين أثناء صلاتهم بالمسجد، مثلما فعلوا قبل ذلك عدة مرات مع الكنائس أثناء إقامة الصلاة وأثناء الاحتفال بالأعياد.
اتخذ البابا قراره سريعاً بالمشاركة مع القس الدكتور أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، بأن تدق جميع الكنائس المصرية فى جميع أنحاء محافظات الجمهورية دقات أجراسها الحزينة، تضامناً مع المشاعر المصرية الجريحة، فالإرهاب بدأ باستهداف المواطنين المسيحيين المصريين، وسرعان ما تحول إلى المواطنين المصريين المسلمين الذين على غير قناعاته وأفكاره وعقيدته الفاسدة.
لا أستطيع أن أبرر إلى الآن هذا التراجع المشين للفكر التنويرى فى مواجهة الأفكار المتطرفة والإرهابية التى تلعب على وتر الطائفية بين المواطنين المسيحيين والمسلمين تارة، وبين الشيعة والسنة تارة أخرى، والجديد بين الجماعات الصوفية وغيرها، ولا أستطيع أن أبرر عدم قدرة المؤسسة الإسلامية الرسمية فى مصر على مواجهة تلك الأفكار الفاسدة، مثلما لا أستطيع أن أبرر تراجع الوجود القوى لرجال الأزهر فى العالم لحساب أفكار موجهة سياسياً ضد الأعراف الدولية والمواثيق الإنسانية كافة.
نحتاج إلى عودة قوية للأزهر الشريف ليعبر عن حقيقة الإسلام ليس فى مصر فقط، بل فى العالم كله سواء بعراقة تاريخه أو بعلمائه ورموزه الحقيقيين الذين استطاعوا الحفاظ على الإسلام الوسطى المصرى.
نقطة ومن أول السطر:
تحية تقدير واحترام للبابا تواضروس الثانى الذى اتخذ قراره الوطنى بدق أجراس الكنائس المصرية فى مصر وخارجها أثناء صلاة الغائب حداداً على أرواح شهداء الوطن.