وقت الأعمال الإرهابية بأنواعها، وعلى رأسها المذابح، لا يجب أن يستمع أحد إلى الراحل الجميل «أمل دنقل» وهو يقول: «أيها الواقفون على حافة المذبحة.، أشهروا الأسلحة».. فالأسلحة تجلبها وتحملها وتشهرها الدول فقط لا غير وحصرياً.
فالشعوب لا تسقط بفعل الأعمال الإرهابية نفسها، بل بالفوضى التى قد تخلقها تلك الأعمال، والتى هى الهدف الأسمى لكل إرهابى.
الشعوب لا «تخلص» بالمعنى العددى، بل تخلص من أزماتها حين تتحد، وهذا هو الدرس الذى علمته مصر للعالم. المذبحة هى قتل خمسة أشخاص أو أكثر من غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم وذلك فى مكان معين وعملية محددة. فى أبريل من كل عام تمر علينا فى أوله كذبة أبريل المستهلكة، وفى آخره حقيقة مذابح مؤلمة، وهى المذابح التركية ضد الأرمن، مذابح «سيفو» (كلمة سريانية تعنى «السيف»)، والتى توجت عقدين من القتل والذبح بدأها السلطان العثمانى «عبدالحميد الثانى»، عام 1894 وسميت المجازر فى عهده بالمجازر «الحميدية». مجازر الأتراك فى الأرمن هى أبشع مجزرة تقليدية فى العصر الحديث، ولكن يبدو أن التاريخ قد كُتب بدماء ضحايا المذابح؛ فدولة مثل أمريكا قامت على حساب أرواح عشرات الملايين من الهنود الحمر الذين أبيدوا بلا رحمة وصلت لحد ضربهم بالفيروسات المختلفة (الجدرى، والسل، والطاعون، والحصبة وغيرها). وقد قام الآباء المؤسسون لأمريكا جميعهم بعمليات إبادة وحشية اعتبروها «أضراراً هامشية لنشر الحضارة». وبعيداً عن الحياة الفقيرة للهنود الحُمر، فقد تحدث المذابح فى أفخم القصور، ففى مملكة نيبال (التى أصبحت جمهورية منذ تسع سنوات)، حدثت فى عام 2001 «مذبحة القصر الملكى» وقام فيها ولى العهد «الأمير ديابندرا بير بيكرام» بإطلاق النار على والده «الملك بيرندرا» ووالدته الملكة «إشواريا» وأخيه «نيراجان» وستة من أفراد العائلة المالكة، وانتحر بعدها! ويُقال إن كل هذا حدث بسبب عدم السماح له بالزواج من إحدى صديقاته، فيما يشكك البعض فى الرواية من الأساس.
هذه المذبحة تذكرنا بمذبحة فى قصر آخر، ففى عام 1811 قام محمد على بمذبحة ضد المماليك المصريين، حيث دعا أعداءه كلهم على حفل عشاء، وصفاهم جميعهم بالرصاص فى قلعته. ومن نحو خمسمائة مملوك لم ينج سوى واحد استطاع أن يقفز بحصانه من أعلى القلعة لينجو هو ويموت الحصان، وآخر لم يحضر الحفل أصلاً.
والمذابح السياسية أكثر من أن تُحصى، ففى كمبوديا قتل «الخمير الحُمر» ما يقرب من ربع السكان منتصف السبعينات، أما فى رواندا فقد قتلت الأغلبية من «الهوتو» قرابة ثلاثة أرباع المليون إنسان من الأقلية «التوتسى»، وفى إيران تم إعدام جميع معتقلى «مجاهدى خلق» وكان عددهم أكثر من ثلاثين ألف إنسان، كانت محاكمة الواحد منهم تستمر بين دقيقة ودقيقتين وتنتهى دائماً بحكم الإعدام، وهذا وقت طويل قياساً بمذبحة قد تأخذ أجزاء من الثانية، وهو ما حدث فى نهاية الحرب العالمية حين قررت أمريكا أن تقتل مئات الآلاف من اليابانيين بضغطة زر عبر إلقاء قنابل ذرية تحصد القتلى فى غمضة عين. وقد يقوم المذبوح لاحقاً بالذبح، فالشعب اليهودى تعرض لمذابح على يد القوات النازية فى ألمانيا الهتلرية، لكن هذا الشعب نفسه عاد بعد سنوات ليُعمل الذبح فى شعبنا الفلسطينى، ومذابح الدولة العبرية أكثر من أن تُحصى نذكر منها مذابح (دير ياسين، وجنين، وخان يونس، وصبرا وشاتيلا وغيرها). متى نكف عند كتابة التاريخ بمداد الدماء؟!