الكلام هذه الأيام عن نكتة توطين الفلسطينيين فى سيناء زاد وفاض، وكأن هناك أصابع خفية -ومعلنة أيضاً- تريد أن تقرب الفكرة للمصريين. الترتيب واضح ويرتكز على طرح الفكرة المستبعدة فى البداية، وفى مرحلة تالية خلق مناخات وظروف ضاغطة يظن صناعها أنها قد تمكنهم من الدفع بها إلى ساحة التفكير العملى. من الواضح أيضاً أن الفكرة قديمة، يدلل على ذلك ما زعمته قناة «بى بى سى عربية» من أن مبارك توافق عليها مع مارجريت تاتشر الرئيس الأسبق للحكومة البريطانية، ولم يمانع فى توطين فلسطينيى لبنان فى سيناء، وهو ما نفاه بعد ذلك الرئيس الأسبق نفياً قاطعاً فى بيان رسمى صدر عنه، وبغض النظر عن وجه الحقيقة فيما يقوله هذا الطرف أو ذاك فالمعلومة المؤكدة أن هذا السيناريو لحل المشكلة الفلسطينية على حساب مصر يعود إلى العام 1982.
التجربة تقول إنه طيلة العقود الماضية كانت الغرف المغلقة هى محل طرح هذا الموضوع، إذا كان هناك إرادة لطرحه من جانب أطراف معينة، وفى أقصى تقدير كانت بعض وسائل الإعلام تتناول أفكاراً أو مشروعات صهيونية قديمة متجددة حول حل المشكلة الفلسطينية عبر آلية «تبادل الأراضى»، بأن تمنح مصر الغزاويين مساحة 720 كيلومتراً فى سيناء، مقابل حصولها على عدد مماثل من الكيلومترات فى صحراء النقب، ودعم دولى لمشروعات تحلية مياه البحر، وغير ذلك من أفكار، لكن أحداً من المسئولين لم يكن يجرؤ على ترديد هذا الكلام فى العلن، والإشارة من قريب أو من بعيد إلى حل المشكلة الفلسطينية على حساب قطعة من أرض مصر، لكن أموراً كثيرة بدأت تتبدل وتتغير خلال الأشهر الأخيرة.
أوائل العام الحالى، وتحديداً خلال شهر فبراير، نشر أيوب قرّا، وهو وزير إسرائيلى بدون وزارة من الطائفة الدرزية، تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، قال فيها إن ترامب ونتنياهو سيعتمدان خطة لإقامة دولة فلسطينية فى غزة وسيناء، خلال زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت، ولم يرضَ المسئولون الإسرائيليون أن يمضى العام 2017 دون أن نسمع كلاماً يصب فى الاتجاه نفسه، لكنه جاء هذه المرة على لسان وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية التى أكدت أن توطين الفلسطينيين على جزء من أرض سيناء هو الحل الوحيد للمشكلة الفلسطينية. وهو ما ردت عليه وزارة الخارجية المصرية رداً غاضباً، وليس مُخرساً، كما كنا نتمنى.
فى كل الأحوال لم يكن يملك مبارك، ولا أظن أن غيره يملك، تفعيل هذا الكلام الخطير على الأرض. «مبارك» نفى أن يكون قد وافق على هذا الكلام، لكنه لم ينفِ أنه سمعه من مارجريت تاتشر، وقد سبق أن ذكر فى تسريب صوتى له أن نتنياهو سبق أن عرض عليه توطين فلسطينيين على جزء من أراضى سيناء، وأنه رد عليه قائلاً إن هذا الكلام يعنى إعلان حرب. جوهر العبثية فى هذا الكلام يرتبط بأن أياً من الشعبين المصرى أو الفلسطينى يمكن أن يقبل بهذه الفكرة الصهيونية الشيطانية، ولو كان الساسة الأمريكيون أو الإسرائيليون يظنون أن بمقدورهم إملاء ما يريدون على الحكام العرب، فإن أحداً لا يستطيع أن يفرض هذا الهزل على المصريين أو الفلسطينيين. من يفكرون فى هذا الحل يظنون أنهم آلهة يقولون للشىء كن فيكون. وذلك قمة العبث!