لا أدرى لماذا الإصرار على مغازلة تيار الإسلام السياسى بالمادة «219» من الدستور الإخوانى المعطل والإصرار عليها فى الإعلان الدستورى الأخير، وهى المادة التى تفصل بين مدنية الدولة ودينية الدولة. ونوجزها فى عدة مقالات قادمة لنوضح كيف تتعارض هذه المادة مع مبدأى المواطنة والمساواة، وتتعارض أيضاً مع الفقرة الثانية من الدستور ذاته، سواء الدستور المعطل الإخوانى أو المحتمل.
نبدأ بالمادة «219»: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، وهى شرح للمادة الثانية من الدستور «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، ولا أدرى كيف تُفسَّر مادة فى الدستور بمادة أخرى؟
* المادة «219» وغير المسلمين: «عدم قبول شهادة الكافر على المسلم»:
اتفق علماء أهل السنة والجماعة على عدم قبول شهادة الكافر على المسلم، عدا الوصية عند الوفاة فى السفر وبشروط. ولهذا السبب انسحبت الكنيسة من لجنة إعداد الدستور:
أ - الحنيفية: الإمام السرجسى، وابن نجيم، وابن عابدين، والعمرانى «اتفقوا على أنه لا تجوز شهادة الكافر على المسلم»، وعرّفوا الكافر «هو من على غير ملة الإسلام» وأجمعوا «وأما الإسلام اتفقوا على أنه شرط فى القبول، ولا تجوز شهادة الكافر».
ب - المالكية: البراذعى: لا يُجيز شهادة أهل الكفر على المسلم. والقرافى: لا تُقبل شهادة الكافر على المسلم بغير الوصية فى السفر للضرورة. وقال ابن رشد: «من شروط الشهادة أن تجمع خمسة أوصاف متى عُرى عن واحدة منها لم تُجز الشهادة (البلوغ - العقل - الحرية - الإسلام - العدالة)».
ج - الشافعية: قال الماوردى: «من لا ينطبق عليه اسم الإسلام فهؤلاء كلهم ينطبق عليهم اسم الكفر، وسواء من رجع منهم إلى ملته كاليهود والنصارى أو لم يرجع، وجميعهم فى التكفير فى رد الشهادة سواء». وقال الشيرازى: «لا تُقبل شهادة الكافر».
د - الحنابلة: الإمام بن قدامة: «لا تُقبل شهادة الكافر على المسلم، ولا على الكافر أيضاً». ابن مُفلح: «لا تقبل شهادة الكافر على المسلم». المروادى: «شهادة الكافر لا تُقبل على المسلم إلا فى هذه المسألة»، يقصد الوصية فى السفر.
* أدلة أهل السنة والجماعة:
- قول الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ»، وقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ»، وقوله تعالى «وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»، وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم».
ولا تجوز شهادة الكافر على المسلم فى الوصية، إلا فى الضرورة إذا حضر أحدهم الوفاة ولم يوجد سواهم من المسلمين، وذلك عن ابن عباس وابن موسى، وقال ابن مُفلح: «لا شهادة لكافر إلا عند العدم بوصية مسلم».
الأدلة.. يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ»، ولقد أخذ بذلك أبوموسى الأشعرى فى وفاة أحد المسلمين حين شهد بالوصية ذميان، فحبسهما حتى انتهى المسلمون من الصلاة وأقسما على الوصية، وفى الارتياب لا تؤخذ شهادتهما.
خطورة هذه المادة:
1 - التفرقة بين أبناء الوطن على أساس العقيدة والدين، وهذا مخالف لبند المواطنة المنصوص عليه فى الدستور ذاته (المادة السادسة) «والمواطنة التى تسوى بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة».
2 - إفلات كثير من مرتكبى الجرائم من العقوبة إذا كان الشاهد من غير المسلمين وتشجيع ارتكاب الجرائم ضد المسيحيين فى تجارتهم وأموالهم، وذلك لرفض شهادتهم على المسلم أو غيره.
فى المقال القادم: «لا يجوز لغير المسلم مقاضاة المسلم فى ازدراء دينه أو إيذائه أو سبه تمشياً مع نفس المادة».