بات الناس فى حيرة من أمرهم.. (هل المسيحى كافر)؟ وبات كثيرون ينظرون للمسيحيين على أنهم (كفار)، خاصة أن النص القرآنى صريح: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم»، بعضنا يظهرها، وبعضنا يكتمها مؤقتاً.
وارتفعت آراء على الساحة الآن تعارض وتحرم اختيار نائب قبطى، مرجعها -وإن فضّلت المداراة- أن المسيحى كافر، ولا ولاية لكافر على مسلم.
ووفق هذا الفهم خرجت فتاوى من السلفيين مثل: «مَن هنأ المسيحى بعيده فقد كفر، الشرطى الذى يحمى الكنائس يساعد على الكفر، يحرم على سائق الميكروباص الوقوف أمام الكنيسة لتنزيل راكب لأنه بذلك يساعده على الكفر، يحرم انتخاب المسيحى لأنه ينصر الصليب»، وخذ من مثل هذا الغثاء المئات.
وصار الإنسان فى حيرة: إن تعامل مع المسيحى على أنه كافر وقعت الفتن، وإن أنكر تصادم مع نص صريح، فما المخرج؟
نقول: هناك أطر مختلفة يتم من خلالها التعامل مع النص، ومن ثم فهم العلاقة على أسس سليمة، وهذه الأطر منها إطار العقيدة، وإطار المعاملات، وإطار الفكر.
ففى إطار (العقيدة) التى تتناول وحدانية الله، فإن غير المسلم كافر، كما أن المسلم بالنسبة لغيره كافر، إذ ينكر كل منهم عقيدة الآخر، والكفر هنا ليس سباً ولا انتقاصاً، لكنه الوصف المنضبط على من لم يؤمن بعقيدة الآخر، وهذا الإطار ليس مطروحاً، والكل يسكت عنه، وفى القرآن الكريم «لكم دينكم ولى دين».
وهناك إطار (المعاملات)، ويدخل فيه البيع، والشراء، والزواج، والأحزان، والمناسبات، والزراعة، والصناعة، والكرة، والفن، والعمل، والأكل، والشرب، والتعليم، والمواصلات، والصداقات، والزمالة، والسياسة، والانتخابات، والأحزاب، والمظاهرات، والتكتلات، والائتلافات، والإعلام، والقضاء، والصحافة.. إلخ. هذه الميادين كلها لا يوصف فيها المسيحى بالكفر، بل يوصف بأنه «أهل كتاب» كما وصفه القرآن، بمعنى أنه أهل تعقل وفهم وتقدير.
وهناك إطار (الفكر)، ويعتمد على التوجه الأيديولوجى، وفيه لا يوصف المسيحى بالكفر، ولا بأنه «أهل كتاب»، وإنما يفضل المسلم حسب صحة ووطنية اختياراته الفكرية، فالكاتب المسيحى الذى وقف فى وجه الظلم أفضل (فكرياً) من الكاتب المسلم الذى برر للنظام جرائمه.
إن الفتنة تقع عندما يتم إقحام الوصف المخصص فى ميدان (العقيدة) لاستخدامه فى ميدان (المعاملات)، مما يحوِّل لفظة «كفار» -لأنها فى غير إطارها الصحيح- إلى كلمة مستقبحة أقرب إلى السب، وإدخال الإطارات فى بعضها ينشئ العقلية الخرافية، التى لا تفرق بين المجالات المختلفة، ولا تتبع منهجاً سليماً فى التعامل مع الأطر المتنوعة، ومن ثم فإنها تثمر الدعوة إلى الكراهية، والتشدد، وتؤدى إلى: «الانتحار، أو الانبهار، أو الاجترار، أو الانحسار، أو الاغترار»، وكلها مناهج مرفوضة.
حينما سأل الإبراشى الشيخ برهامى: هل نعاملهم على أنهم كفار؟ لاحظ كلمة (نعاملهم)، قال: نعم نعاملهم على أنهم كفار!
لقد طار الشباب بمقطع يظهر فيه عالم أزهرى يقول بكفر المسيحى، ليدعموا كلامهم، والحقيقة أن العالم قالها فى إطارها الصحيح فى مجال العقيدة، وأما فى غير ذلك فوصفهم بالإخوة، ودعا لمحبتهم، وهذا منهج الأزهر الشريف.
إن الضجيج الحادث مرجعه إدخال إطار (المعاملات) مكان إطار (العقيدة)، فينزل اللفظ فى غير إطاره، ومن هنا ينشأ المتشددون من الجانبين، فليمض الرئيس لاختيار قبطى ولا يلتفت.