كثيراً ما تستوقفنى عبارات منثورة هنا وهناك تعبر عن شكوى الناس من الناس، وكيف أنهم يألمون أن الشر بات بهم محدقاً من كل حدب وصوب، وأنهم لا يستطيعون التكيف مع هكذا أجواء، أو العيش بذات الكوكب مع تلك الوحوش البشرية التى لا تتركهم بحالهم!!!!
الكل يشكو ويشتكى ولا ينظر لحاله ومآله، ينظرون لبعضهم البعض، يتصيدون الأخطاء والأوزار ويعددونها ويبرزونها مبالغين فى التنظير والتقرير.
وتغيب الحقيقة الأصح والقاعدة الأثبت بأن البشر متقلبو الطبائع والأهواء وبأن الحياة قصيرة وبأن أذى الناس لا يقع إلا أن يشاء الله ويقدر، لهذا يستهلك الشاكى طاقته ووقته وأعصابه فى ملاحقة عثرات الآخرين، والرد على إخفاقاتهم التى ربما لا يكون لها وجود من الأساس إلا فى خيال الشاكى، أو أن يكون هو شخصياً يملك أضعاف هذه السلبيات ولا يدرى بحاله.
فماذا بخصوص النظر إلى معايبنا ومثالبنا الشخصية؟ أجربت يوماً أن تعالج عيوب الآخر فيك أنت أولاً؟! على سبيل المثال إذا ما رأيت غيرك متطاولاً، جرب أن تكون أنت ملتزماً محتشماً!! أو إن رأيت الآخر كاذباً، فتمسك أنت بالصدق والأمانة، تشبث بالأخلاق ولا تتعسف.
فلو نظرنا إلى دواخلنا لرأينا الكثير مما يجب إصلاحه، نفسك هى الأقرب والأسهل، فابدأ بها أولاً.
الضعيف فقط هو من يلوم الآخر ويدين العالم، ويشتكى القهر والاستبداد، فدور الناقد يعجب الكثيرين لأنه لا يحتاج جهداً، أما الإيجابية فيلزمها الكثير من العزم والقوة والصبر، لماذا لا نكون رسل محبة وأخلاق واتزان؟! كن مثالاً حياً لأقوالك بأفعالك، رسخ للقيم والمبادئ بك أنت، ولا تهدر وقتك ووقتنا بالنقد والفقد.
وللتخلص من سلبيات مراقبة سقطات وزلات البشر، عليك التعالى على عثراتهم، ترفع عن الصغائر وأصحابها، ولا تتوقف عند حدودها، تجاهل الشر بالتعالى عليه وتجاوزه، لا تكثر العتاب والشكوى فيملّك الناس، ولا يحبذوا الاقتراب منك خوفاً من نيران نقدك ومن لهيب عنفك، انثر الإيجابية والحب والخير، حينها لن ترى إلا الجمال والاكتمال، جرب أن تحب الناس على عيوبها، فيكبر فى قلبك حبهم ويتغلب على بغض ما بهم، لا تتسرع فى الحكم على البشر والتمس دائماً الأعذار، واضعاً نفسك فى أماكنهم. من يدرى ربما تصرفت أسوأ منهم، اعلم أنك لست الأفضل، وأن اكتمالك محال، أدِّ دورك الإنسانى والمجتمعى فى محيطك على أكمل وجه، ولا تنس أبداً أنهم قديماً قالوا: كل من يرى الناس بعين طبعه (أى أنى أرى فى الآخر ما يشبه طباعى الشخصية)، لا تحمل للناس سوطاً لجلدهم به، بل أقبل عليهم وابتسم وقدم لهم الحب والخير، تخلَّ عن سلبية الشكوى والتملل والتأفف من الكون وساكنيه، اعلم أن حكمك على الناس ليس صحيحاً أو دقيقاً حد الكمال، فالصورة دائماً ناقصة ولا تكتمل إلا فى قلوب أصحابها، تعامل مع ما تراه ولا تحاسب الناس على مكنونات صدورها، فخالقها أعلم بها، اقبل الاختلاف بينك وبين الآخر، فهى سنة الله وقانون الكون، وكونك مختلفاً لا يعنى أنك الأصح والأمثل، عاتب الناس بالحسنى وباللين إن لم تجد للعتاب بداً ولا تخسرهم أبداً.
وتذكر أن كل إصلاح وفلاح يبدأ من داخلنا نحن.. فإصلاح الذات أولاً.