الانحياز جوهر أداء النخبة، واللامبالاة جوهر أداء الشعب. مع اقتراب موعد انطلاق قطار انتخابات الرئاسة (2018) تجد النخبة السياسية والإعلامية فى مصر غائصة فى حالة من الانحياز المحكوم بولاءات لأشخاص أو مصالح أو ربما تفضيلات معينة، فى حين تجد الشعب غارقاً فى حالة من اللامبالاة الناتجة عن دورانه فى ساقية البحث عن حل لمشكلاته المعيشية التى تتعقد يوماً بعد يوم. ولا يغرنك تقلب النخب فى وسائل الإعلام، لأن الشعب هو الرقم الأهم فى المعادلة، وللمواطن حسابات أخرى.
يمكنك أن تضع فى حزمة النخب كبار الساسة والإعلاميين والفنانين والرياضيين ورجال الأعمال وبعض الرموز العاملة فى دولاب الدولة، من بين أفراد هذه الحزمة من له آراء معلنة تصدق ما فى باطنه، وهناك من يظهر غير ما يبطن، والمسألة فى النهاية محكومة بالانحيازات التى تتأسس على «حسابات المصالح»، وستسمع كثيراً من الأقوال المتضاربة، وتشاهد العديد من المواقف المتباينة من أفراد هذه الحزمة، كلما اقترب موعد الانتخابات. ستجد لكل اسم من المرشحين المحتملين فى الانتخابات الرئاسية المقبلة كهنة ومحاسيب، يعملون بكل ما أوتوا من قوة من أجل الدفاع عن اختيارهم، وسوف تسمع تمحكات كثيرة يلوذ بها هؤلاء من أجل الدفاع عن انحيازاتهم، مثل الولاء للوطن، والحرص على الشعب، والدفاع عن الاستقرار، وحل المشكلات المزمنة المعقدة، وبناء المستقبل.
المواطن له حسابات أخرى مختلفة. فإذا كانت النخبة تبرر لنفسها الدفاع عن مصالحها المخملية الكبرى بالانحياز إلى هذا الاسم أو ذاك، فعليها أن تحترم انحياز المواطن لمصالحه المعيشية الصغيرة التى يدافع عنها البشر فى كل زمان ومكان. يخضع المواطن المصرى البسيط لحسبة معيشية معقدة، فالارتفاع الفلكى فى معدلات التضخم، وما ترتب عليه من غلاء فى الأسعار، وعجز نسبة لا بأس بها عن تسديد فواتير الخدمات التى ارتفع سعرها بصورة غير مسبوقة، والإحساس اليومى الذى يعيشه الكثيرون بالعجز عن القدرة على مواجهة أعباء الحياة، كل هذه الأمور تدفع المواطن إلى اللامبالاة بتلك «العركة الفوقية» المتعلقة بالانتخابات الرئاسية. ثمة عامل آخر أصبح يدعم هذا الإحساس باللامبالاة يرتبط بمشاهد الدم التى عاشها المصريون خلال الأشهر الماضية، وكان أبشعها المذبحة التى شهدها مسجد الروضة بالعريش. فالمواطن لم يتعود على هذه الأحداث المروعة التى يروح فيها بسطاء مثله برصاصات إرهابية غادرة لا نعرف حتى الآن الجهة التى صوبتها. إحساس الكثيرين بعبثية هذا المشهد دعم من إحساس اللامبالاة بداخلهم. آخر ما يفكر فيه المواطن هذه الأيام هو ذلك الصراع المحتدم بين النخب، لأن لديه ما يشغله.
الانتخابات تحتكم إلى «الوعود»، والمواطن لم يعد يصدق كثيراً مما يسمع. فمن رأى ليس كمن سمع، وقد عاين المواطن الكثير من أوجه المعاناة واستمع إلى وعود بحلها دون جدوى. لدى الكثيرين قناعة بأن النخب تجيد الحديث عن المشكلات، لكنها خائبة فى تقديم حلول لها، وحتى لو امتلكت الحل فإنها لا تحرص على تفعيله فى الواقع، لأنها ببساطة تستفيد من وجود المشكلة وتتعيش عليها. من الظلم أن تطلب من الناس «النظام» فى ظل حالة من الفوضى والعبثية.