- عذراً سيدى «رسول الله» لقد قصرنا وغفلنا وابتعدنا عن نهجك كثيراً، أمرتنا بالعمل فتقاعسنا، وأمرتنا بالعلم فأصبحنا فى مؤخرة الأمم فى كل العلوم، أمرتنا بالتسامح فتعصبنا لأنفسنا وأحزابنا، أمرتنا بالعفو فانتقمنا، أمرتنا بالرحمة فقسونا، أمرتنا بعصمة الدماء فأهدرناها.
- عذراً سيدى نشرت الحب وأذعنا الكراهية، يسرت وعسرنا، رفعت الإصر والأغلال وأعدنا الأغلال وقيدنا بها أنفسنا، بشرت ونفرنا، جمعت وفرقنا، ألفت القلوب على الإيمان واليقين والدين وصرفناها عن ذلك كله.
- زهدت سيدى فى الدنيا فعشقناها فلم نبال بحلالها أو حرامها، قمت الليل فنمناه، ذكرت الله كثيراً فذكرناه قليلاً، أكثرت الاستغفار وأنت بلا ذنوب مع مغفرة الله لك، ولم نستغفره إلا قليلاً وذنوبنا مثقال الجبال.
- راجعت سيدى رأيك مراراً مع مراجعات أصحابك، خاصة عمر بن الخطاب ونحن نستنكف أن نراجع أنفسنا مع أن الخطأ يركبنا بالليل قبل النهار.
- قلت عن الصلاة «أرحنا بها يا بلال» فأديناها بلا خشوع ولا خضوع ولا تدبر وكأننا نريد أن نستريح منها لا بها.
- جعلت قرة عينك فى الصلاة وجعلنا قرة أعيننا فى الدينار والدرهم والدولار والمرأة الجميلة والفتيات المتبرجات الفاتنات المحرمات علينا بعد أن زهدنا فى الحلال الطيب.
- أمرت بالحجاب فإذا بالاسترتش والمينى جيب والميكرو جيب والملابس الغربية تغزو أمتك، وإذا بالبعض يدعون إلى خلع الحجاب، وهو لا يريد خلع عفة الظاهر فحسب بل يبغى أن يخلع معها عفة الباطن «وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ».
- لم تترك كسائر الأنبياء ديناراً ولا درهماً ولكنك ورثت دعوة تبلغ وعلماً يورث ورسالة سامية تتناقلها الأجيال فغفلنا عن تبليغ دعوتك وضيعنا أكثر رسالتك وطمعنا فى كراسى زائلة.
- حكمت فعدلت حتى قلت فى نهاية عمرك بتواضع تخجل منه أجيالنا «من كنت قد جلدت له ظهراً فهذا ظهرى فليستقد منه ومن كنت قد أخذت منه مالاً فهذا مالى فليأخذ منه». ومعظم من حكم الناس ظلم من بداية الأمويين وحتى اليوم إلا من عصم الله وهم قليل، فلم تر أمتك العدل السياسى أو الاجتماعى أو الشورى الحقيقية أو تقديم الكفاءة على الولاء إلا نادراً.
- رفضت أن تفرق جمع رعيتك أو توردهم أسباب الشقاق والخلاف والصراع يوم أبيت أن تقتل زعيم المنافقين «عبدالله بن سلول» تعظيماً للشهادتين «ولئلا يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه»، ولكن قوماً عميت قلوبهم يقتلون المسلمين وغير المسلمين دون ذنب ولا جريرة.
- راعيت يا سيدى الرأى العام لخصومك وأعدائك من قريش رغم أنهم ليسوا مسلمين، حتى لا يظنوا بالإسلام شراً وسوءاً، واليوم السنة تذبح الشيعة، والشيعة يذبحون السنة، وداعش تفجر المساجد وتقتل المصلين الراكعين الساجدين، تاركة من يحتلون بلاد المسلمين يعربدون كيف شاءوا، كل الصراعات والنزاعات والدماء واللاجئين فى بلاد المسلمين دون أن يتوقف أحد من هؤلاء عن غيه خوفاً على سمعة الإسلام، أو خشية نفور الناس من الدين.
- يا سيدى يا رسول الله لقد احتضنت بلال الحبشى مع صهيب الرومى وسلمان الفارسى وخالد المخزومى وعثمان بن عفان الأموى وسعد بن عبادة الخزرجى وسعد بن معاذ الأوسى، وصهرتهم فى بوتقة واحدة من الإيمان والأخوة والمساواة.. أما نحن فمزقنا أنفسنا بأنفسنا، ولم نحسن سوى الصراع على الدنيا أو السلطة والتزاحم عليها فدبت الكراهية والبغضاء والإقصاء بيننا.
- كل اللاجئين يا سيدى من أمتنا، وكل الناس تفر من بلادنا، فُقد الأمن والأمان والحضارة من أوطاننا.
- عذراً سيدى فقد قام بعضنا بالفصل بين الدين والحياة، وأنشأ آخرون صراعاً وهمياً بين الدين والعلم، ومعركة مفتعلة بين الدنيا والآخرة، وخلط آخرون بين التوكل والتواكل، وأقام البعض حاجزاً بين النص والعقل، وبين الخلق والخالق سبحانه.
- عذراً يا سيدى يا رسول الله فقد قتل بعضنا بعضاً فى المساجد، والمصلون راكعون ساجدون خاشعون وقتلوا من أوصيت بهم وبعهدهم، قتلوهم فى كنائسهم رغم أن أمنهم وسلامتهم أمانة فى أعناقنا، عذراً يا سيدى فقد أصبح بأسنا بيننا شديداً.
- يا سيدى يا رسول الله تركت لنا الإسلام ديناً قوياً غضاً طرياً نابضاً فتياً ديناميكياً متحركاً، فحولناه إلى دين جامد استاتيكى لا روح فيه ولا حياة، يقبع ذليلاً فى المساجد والزوايا، يتوجس خيفة من الانفتاح على الحياة والتفاعل معها وعلى غير المسلمين، وأصبحنا لا نفرق بين ثوابت الدين التى تحفظه، ومتغيراته التى تؤهله للتفاعل الجيد مع الحياة وسائر المجتمعات.
- يا سيدى: اختار الله لك أصحابك الأطهار فأراد البعض شتمهم وسبهم، واختار الله لك زوجاتك فتطاول البعض عليهن، قلت يا سيدى «الله الله فى أصحابى» أى اتقوا الله فى أصحابى، فلم نتق الله فيهم.
- يا سيدى عفوت عن ستة آلاف أسير مشرك فى حنين لأنك رضعت فى قبيلتهم، واليوم يُحرق بعض الأسرى أو يُذبح أو يُعذب ويهان بعضهم، واليوم تفجر المساجد بالمصلين الآمنين، ويتجرأ البعض فيحاولون تفجير مسجدك النبوى ويجترئون على مقامك حياً وميتاً، ولا يكتفون برفع صوتهم فوق صوتك ولكنهم يرفعون متفجراتهم عند قبرك، لا أحد اليوم يرحم خصومه وكأن أمتك كلها حكومات وجماعات لم تسمع قوله تعالى «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً».
- يا سيدى عذراً على الغفلة والتقصير، فقد بلغت الرسالة فأضعناها، وأديت الأمانة فقصرنا فيها، وتركتنا على المحجة البيضاء فلوثناها بذنوبنا، فسامحنا يا سيدى يا رسول الله.