لم يكن اللقاء مرتباً.. فقد قابلته فى أحد المؤتمرات الطبية التى عقدت منذ عدة أشهر فى العاصمة الإنجليزية لندن.. أسمر يحمل فى لونه المميز ما يشى بانتمائه لتلك القارة التى ننتمى إليها دون أن نشعر بها بالقدر الكافى.. لقد أدرك من بطاقة الهوية المعلقة على رقبتى أننى مصرى.. فانفرجت أساريره وهو يعرفنى بنفسه فى حماس.. إنه أحد العاملين فى شركة أدوية عالمية.. نيجيرى الجنسية.. لقد بدا متحمساً وهو يخبرنى أنه يحب مصر دون أن يزورها من قبل.. لقد تحدث معى طويلاً عن مصر التى يتمنى زيارتها.. وأنه سعيد أن بدأ فى سماع اسم مصر يتردد فى الفترة الأخيرة فى بلاده أكثر من ذى قبل.. يبدو أننا نمتلك جمهوراً غفيراً فى تلك القارة.. كان يفتقد وجودنا المؤثر الذى افتقدناه لعقود.. والذى كان غيابه سبباً مباشراً لكل المشكلات التى نتعرض لها فى الفترة الأخيرة.. وعلى رأسها مشكلة سد النهضة!
بجهد دؤوب وحماس لا يفتر يحاول النظام أن يستعيد الدور السياسى لمصر فى القارة الأفريقية.. يجتهد الرئيس ومعه وزارة الاستثمار والتعاون الدولى أن يوجدوا بقوة فى القارة السمراء.. أن تعود مصر هى الأخت الكبرى والشقيقة الأقوى بين دول القارة السمراء.. الأمر يبدو واضحاً من استقبال السيد الرئيس للعديد من رؤساء دول القارة فى الفترة الأخيرة.. وبإصرار القيادة السياسية على أن تملك مصر زمام المبادرة الاقتصادية.. فتستضيف للعام الثانى على التوالى المؤتمر الاقتصادى الأفريقى الذى يضم كل دول القارة.. والذى تنظمه هذا العام منظمة الكوميسا بالتعاون مع وزارة الاستثمار والتعاون الدولى المصرية.. المؤتمر يعد انعكاساً لرؤية النظام المصرى التى تبناها منذ أن تولى مقاليد الحكم.. والتى تتجه للنظر لأفريقيا بشكل كبير على صعيد التعاون الاقتصادى والاستثمار.. بعد أعوام طويلة من التجاهل والعزلة!
ولم لا.. فأفريقيا هى الامتداد الطبيعى والجغرافى لمصر، والبعد السياسى والأمنى لدولها لا يمكن إغفاله لكل من ينظر إلى المشهد بعمق.. إنها الحقيقة التى أدركها عبدالناصر ومن بعده السادات جيداً وقررا أن يؤمنا الحدود الجنوبية إلى أبعد مدى.. وبتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة التأمين العسكرى، لقد زرعا الانتماء فى قلب كل أفريقى لهذا الوادى الطيب، وخلقا مساحات للتعاون والتنمية بين مصر وتلك الدول التى كانت أسواقها تحتاج لنا بشدة.. ولكن يبدو أن من أتى بعده لم يستوعب تلك الحقيقة.. حتى عاد النظام الحالى ليجدد تلك العلاقات بقوة وعمق!
لقد نجحت وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، التى تقودها النشيطة الطموحة الدكتورة سحر نصر أن تبعث الحياة مرة أخرى فى سبل التعاون بين السوق المصرية والأسواق الأفريقية الوليدة.. وأن تجعل من الدولة المصرية رائدة فى مجال الاستثمار وريادة الأعمال بين دول القارة التى تتطلع لاكتساب الخبرات.. الطريف أن مؤتمر هذا العام يتميز بتخصيص يوم للشركات الناشئة الرائدة ورواد الأعمال.. ويحمل عروضاً تقديمية فى هذا الشأن لجذب التمويل والشراكات لبعض المشروعات الأكثر ابتكاراً من القاهرة إلى كيب تاون، ولذلك فهو منصة الأعمال الرائدة.. ونافذة للتواصل وإقامة شبكة من العلاقات وبدء عقد الصفقات بين الأطراف المتباينة على أرض هذا الوطن.. الأمر لن يقتصر على مستثمرى القارة الأفريقية فحسب.. فالمؤتمر هذا العام يستضيف شركاء التنمية ممثلين فى البنك الدولى.. ودينا باول مستشارة الرئيس الأمريكى.. ربما تثبت الأيام لنا أن البعض فى هذا الوطن يعمل دون ضجيج.. فيتمكن من تحقيق الكثير مما يطمح إليه.. دون أن يخضع لابتزاز الرأى العام ووسائل التواصل وضغوط أصحاب المصالح الشخصية.. فالنظام المصرى أدرك أن التنمية تبدأ من خلال تلك القارة السمراء.. الأقرب كثيراً.. ربما أكثر مما نظن!