عدة مقالات كُتبت فى الأيام الماضية تنتقد الشيخ الشعراوى، أو تدافع عن انتقاده، مثل ما كتبه الدكتور خالد منتصر فى مقاله بجريدة «الوطن» يوم السبت 18/11/2017م بعنوان: بُنى الإسلام على خمس ليس من بينها «الشعراوى»، قال فيه: «إن الشيخ الشعراوى ليس نبياً ولا صحابياً، وإنما هو شيخ اجتهد فى تفسير القرآن، وواجبنا تجاهه الاحترام لا القداسة»، وقد سبق لمفكرين وكتَّاب أن انتقدوا الشيخ الشعراوى مثل: فؤاد زكريا، ويوسف إدريس، وزكى نجيب محمود، وإبراهيم عيسى، وسحر الجعارة، وفريدة الشوباشى.
ليس من شك أن مسائل فقهية قال بها الشيخ الشعراوى من حق أى كاتب أن يكون له فيها وجهة نظر تخالف وجهة «الشعراوى»، مثل رأيه فى زراعة الكبد والغسيل الكلوى، وعبارته لـ«السادات»: «السادات لا يُسأل عما يفعل»، وفتواه بختان الإناث، وسجوده شكراً بعد هزيمة 67، ولكن لا بد فى هذا النقد من مراعاة عدة أمور:
الأول: ألا نسْتل هذه المسائل من تراث الشيخ ونقدمها للمجتمع على أنها هى «الشعراوى»، ونترك باقى تراث الرجل العظيم فى خدمة كتاب الله ونشر الوسطية والاعتدال والتصوف، وبناء جامعية شعبية جعلته المرجعية الأولى فى العالم الإسلامى.
الثانى: أن يكون للنقد مناسبة لذكر هذه المسائل وإفرادها فى مقالات خاصة، بدلاً من أن نشغل بها المجتمع دون أدنى مناسبة.
الثالث: انتقاء الألفاظ العلمية فى النقد، أما التحامل أو النقد الذى هو أقرب للسب والقذف والسخرية فلا يجوز فى حق الأفراد فضلاً عن حق عالم فى مقام الشيخ الشعراوى.
الرابع: تقديم البديل، فلو سلمنا بسقوط مرجعية كالشيخ الشعراوى فمن البديل؟ وهذا السؤال كما نسأله للتيار العلمانى فنحن نسأله للتيار الإخوانى الذى يعمل على هدم علماء الأمة واحداً واحداً فنسألهم: بما أن فلاناً من علماء السلطان، وفلاناً ضد الإخوان، وفلاناً كذا وكذا فمن بقى من علماء الأمة إذاً؟!
الخامس: اللغة التى تكلم بها الدكتور أحمد الطحاوى، عضو لجنة الصحة فى مجلس النواب وأستاذ الأمراض الباطنة بكلية الطب، حيث طالب بسرعة إصدار قانون يجرّم من يُهين ويسىء إلى الرموز الدينية كالشيخ الشعراوى، هو مطلب لا مجال له فى ظل الانفتاح فى وسائل التواصل المختلفة وعالم الإنترنت، والأهم أن القانون الذى يريده مشكل: هل يخص الرموز الدينية أم كل الرموز؟ بمعنى هل يتم تجريم من ينتقد رموزاً غير دينية كأحمد زويل وفرج فودة وطه حسين والعقاد، أم أنه يقصد الرموز الدينية فقط؟ ومن هى الرموز الدينية؟ وما آليات اعتبار أن فلاناً يُعد من الرموز؟ والحاصل أننا أمام اقتراح حماسى حتى وإن كان مقصده سليماً.
السادس: هناك عدد اعتبرهم البعض من الرموز، ومع ذلك جنت الأمة من ورائهم فتناً كقطع الليل المظلم، مثل: حسن البنا وسيد قطب، ومن قبلهما حامد الفقى ومحمد بن عبدالوهاب، ومن بعدهما ياسر برهامى ومحمد عبدالمقصود والحوينى ويعقوب والقرضاوى، هؤلاء وأمثالهم هم الذين يجب أن تمتد إليهم يد النقد لبيان انحراف فكرهم، لأن من فكرهم استمد المنحرف فكرياً انحرافه، واستمد التكفيرى تكفيره، واستمد المتشدد تشدده.
أما الشيخ الشعراوى -وإن كان للبعض انتقاد له فى بعض الفتاوى- إلا أنه فى الجملة مفسر عظيم، ومرجعية دينية، ملأ الدنيا علماً ونوراً وهداية، فاستمد منه الناس الذوق والأخلاق والمحبة والتيسير، فهو وأمثاله من الأكابر هم الذين يجب أن يُقدموا للشباب على أنهم النموذج الذى يُحتذى، ليتعلقوا بهم، احتراماً لا تقديساً، بدلاً من التعلق بأهل التشدد، وأصحاب لحى طويلة من ورائها وجوه مكفهرة، وفتاوى نشاز، وقبح فى الأخلاق، وتعلق جنونى بفتاوى النساء، وخلع لرسن العلم والتأصيل، وخلط بين الغث والسمين، والشمال واليمين، فجلبوا على صورة الإسلام النقية عاراً وتشوهاً.