«الصناعات النمطية».. من مشروع لإنتاج الأخشاب إلى مخزن «مهجور»
مخازن الصناعات النمطية أصبحت مهجورة وتحولت إلى خرابات
«ورش ومكاتب تمتد على مساحة تتجاوز الفدان ونصف الفدان، تحولت إلى مجرد مخازن كئيبة ومهجورة، العنكبوت والغبار تتسلل من النوافذ المغلقة، الملفات على الأرفف غطتها الأتربة، والمعدات باتت تنعم برائحة الموت»، هذا هو حال مشروع «الصناعات النمطية»، الذى تحول بسبب «الإهمال»، من مكان للإنتاج والعمل إلى «خرابة» دُفنت تحت ركام اللامبالاة.
يقع مقر المشروع فى منطقة «الصيادين» بمدينة الزقازيق، وهو عبارة عن مبنى ضخم يتكون من عدة طوابق، تتوسطه بوابة حديدية، تعلوها لافتة كبيرة مدون عليها «مشروع الصناعات النمطية»، وبدا المكان يفتقد لأى حركة، وخيم عليه السكون، بداية من البوابة الموصدة بالأقفال الحديدية، ومن خلفها نحو 4 من الكلاب، وبعد الطرق عليها عدة مرات، جاء شاب ثلاثينى، وقبل أن يفتح البوابة، مضى متعجلاً يخاطب المدير من تليفون داخلى، ليسمح لنا بالدخول، إلا أن المدير، الذى كان يجلس فى مكتبه، وأمامه شاشة تعرض لقطات توثقها كاميرا مراقبة خاصة بالمشروع، رفض الإدلاء بأى بيانات صحفية، تنفيذاً لتعليمات المحافظ بمنع الموظفين من التصريحات، بحسب قوله، وبصعوبة بالغة اقتصر قوله على إن «المشروع تم تصفيته، وتوزيع العمالة على مجالس المدن والمحليات»، مؤكداً أنه لا يعلم ما هو مصير المبانى والمعدات. أما «عبدالحميد. ز»، أحد الموظفين، فاستطعنا مقابلته خارج مقر المشروع، بعد أن تم نقله مؤخراً، وعدد من زملائه، فقال إن المشروع تم إنشاؤه عام 1980، بقرار من المحافظ آنذاك، ويتبع صندوق الخدمات بالمحافظة، ويتكون من 4 ورش للنجارة، و3 ورش للحدادة، بالإضافة إلى عدد من الغرف المخصصة لمكاتب الإداريين، وكان يعمل به نحو 90 عاملاً، بدأ عددهم يتناقص تدريجياً، ونقلهم إلى أماكن أخرى، حتى وصل إلى نحو 50 عاملاً وموظفاً فقط، تم نقلهم، قبل عدة أيام، إلى مجالس المدن والوحدات المحلية، بعد صدور قرار من المحافظ، اللواء خالد سعيد، بوقف العمل فى المشروع نهائياً.
«عبدالحميد»: المحافظ أمر بوقف المشروع نهائياً وتم نقل الموظفين إلى مجالس المدن والوحدات المحلية.. و«أبولبدة»: عدم وجود إدارة رشيدة من أسباب تدهور المشروع
وتابع الرجل قائلاً إن «العمل بالمشروع كان يسير على قدم وساق خلال السنوات الأولى من افتتاحه، وكان يتم بيع المنتجات من الأخشاب والأثاث والأبواب والمكاتب وغيرها إلى المصالح الحكومية، وأيضاً إلى الأهالى، الذين كانوا يقبلون على شراء منتجات المشروع، نظراً لما كانت تتميز به من جودة عالية»، وأضاف أن العمل بدأ يتراجع تدريجياً، خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، حتى توقف العمل بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وتحول المشروع إلى «خرابة»، وكانت الأعمال به بسيطة للغاية، مشيراً إلى أن آخر منتجات قام العاملون بتصنيعها كانت منذ نحو الشهر، وهى عبارة عن صناديق قمامة، تم تسليمها إلى مجلس مدينة بلبيس، وذلك قبل صدور قرار المحافظ بنقل جميع العمالة من مشروع الصناعات النمطية إلى أماكن أخرى، وهو ما أدى إلى توقف العمل بالمشروع تماماً. وكذلك قال سمير أبولبدة، أحد العاملين بالمشروع، تم نقله مؤخراً إلى مركز أبوكبير، وأضاف أن «سبب تدهور المشروع يرجع إلى عدم وجود إدارة رشيدة قادرة على إحياء العمل به، وجعله مشروعاً إنتاجياً بالشكل المناسب»، مشيراً إلى أن جميع المديرين الذين تولوا إدارة المشروع كانوا «يفتقدون الخبرة اللازمة التى تؤهلهم للارتقاء به، والنتيجة ما حدث من تصفية للمشروع، وتسريح جميع العمال»، وأوضح أن المشروع يقع على مساحة أكثر من فدانين، وكان يضم عمالة ماهرة من النجارين والحدادين والأسترجية، وبه ورش متكاملة لعمل جميع أنواع النجارة، من أبواب وشبابيك وموبيليا، بالإضافة إلى ورشتَى حدادة متكاملتين، وورشة صاج، وقسم دهانات أخشاب، ومعرضين لبيع منتجات المشروع، أحدهما داخل المقر، وآخر على مساحة 200 متر مربع فى منطقة «المنتزه»، وسط مدينة الزقازيق. وتابع «أبولبدة» قائلاً إن «المشروع كان يمكنه علاج أى مشاكل موجودة به، ولا يستدعى الأمر تصفيته»، مشيراً إلى أنه لم تكن هناك أى محاولات لعلاج أى مشكلات، حتى المعدات لم يكن يجرى لها أى صيانة، كما كان عدد الإداريين يزيد على عدد العمالة من الفنيين والحرفيين، وكان المفترض العكس، بالإضافة إلى وجود نسبة من العمالة من ذوى الاحتياجات الخاصة، ضمن نسبة الـ5%، رغم أنهم لا يمكنهم العمل فى مشروعات إنتاجية، خاصةً أن طبيعة العمل على الماكينات تتطلب عمالاً من الأصحاء، يمكنهم تحمل العمل عليها، وأشار إلى أنه عندما تحدث عن مشكلات المشروع، والمطالبة بحلها، تم نقله على الفور إلى شئون العاملين بمركز ومدينة أبوكبير، منذ نحو 6 أشهر، لافتاً إلى أنه تقدم بالعديد من الشكاوى إلى النيابة الإدارية والرقابة لإدارية، ولكنها لم تجد نفعاً.
وأضاف أنه كان يعمل بالمشروع رئيساً لقسم المراقبة والجودة، وتقدم بمذكرة لتطوير المشروع، تمثلت فى إدخال الحاسب الآلى فى عمليات التسجيل، وإمداد المشروع بماكينات «سى إن سى»، وعمل قسم صيانة متخصص فى أعمال التكييف والتبريد، وإنتاج الموبيليا، والأعمال الخشبية، بالتعاون مع أحد البنوك، ومنحها للشباب بقروض ميسرة، وعمل خط إنتاج لإعادة تدوير فضلات الأخشاب والنشارة، وتصنيعها إلى ألواح «كونتر»، المطلوبة فى الصناعات الخشبية، وإنشاء مركز صيانة متكامل، لخدمة سيارات الجهاز التنفيذى وصيانتها، بدلاً من الاستعانة بالورش الخاصة، لافتاً إلى أن المسئولين لم يعيروا أياً من اقتراحات العاملين للتطوير أى اهتمام، وتابع بقوله: «فوجئنا بتسريح جميع العاملين، وهو ما يعنى الحكم بالقضاء على مشروع كان من الممكن أن يكون سبباً فى تحقيق اكتفاء ذاتى فى كل الأعمال الخاصة بالجهات التنفيذية والحكومية من أعمال الحديد والخشب، وتحويله إلى خرابة».