مشاعر الغضب التى نشعر بها جميعاً إزاء موضوع القدس أمر إيجابى ومنطقى.. لكنها يجب ألا تكون النقطة الإيجابية الوحيدة، التى نخرج بها من الموضوع.
إلى جانب مشاعر الغضب والإدانة وحتى تصفية الحسابات يجب أن نكون أمناء مع أنفسنا وأن نسأل السؤال: ما أسباب القوة التى أخذنا بها حتى نستطيع هزيمة إسرائيل.. أو حتى الضغط عليها؟
ما الذى قدّمناه للبشرية خلال القرنين الأخيرين أو حتى قبلهما بثلاثة قرون؟
ما علاقاتنا الحاليّة بالعلم أو البحث العلمى وما ترتيبنا كدول عربية مقارنة بترتيب إسرائيل؟
ثم.. ما أوراق القوة التى نملكها للضغط على المجتمع العالمى أو المنظمات والتكتّلات الدولية المختلفة؟
إننى أدرك بالتأكيد أن القرار يؤكد تحيّزاً أمريكياً بغيضاً لإسرائيل امتد منذ قيامها وحتى الآن.. لكن دورى ككاتب ليس أن أخبرك بما هو معروف، ولا أن أؤكد لك ما هو مؤكد..
دورى أن أخبرك أن للحقيقة وجهاً آخر.. لقد آن الأوان أن نخرج من السردية المؤبّدة التى نلوكها منذ ١٩٤٨، التى تقول إن ضعف وتخاذل الحكام العرب أدى إلى قيام وانتصار إسرائيل وأن انحياز الغرب الأعمى سبب انتصار إسرائيل، لقد درست هذا الكلام فى بعض كتب التربية القومية، وسمعته على منابر المساجد وعلى منصات الأحزاب القومية.. لكنه جزء من الحقيقة.. الجزء الآخر يقول إنه كان علينا خلال الأربعة وستين عاماً الماضية أن نجرى فى كل مضمار جرت فيه إسرائيل، كان علينا أن نُقدّر العلم والعمل والتكنولوجيا والترجمة، وغير ذلك من أسباب القوة التى أخذت بها إسرائيل، التى كانت وما زالت فى نظرى كياناً عنصرياً استيطانياً بغيضاً، لكن هذا لا ينفى أن للقوة أسباباً وأن إسرائيل تأخذ بهذه الأسباب.
لقد اندهشت للغاية من مظاهرة أمام نقابة الصحفيين حمّلت شعاراتها ولافتاتها الرئيس السيسى مسئولية ضياع القدس! وبغض النظر عن عبثية تحميل الرئيس مسئولية ما جرى منذ عام ١٩٦٧، وما سبقه، وبغض النظر عن عبثية تحميل شخص واحد خطايا وضع دولى كامل، فإننى أرى ثمة تناقضاً فاضحاً فى موقف الذين تظاهروا عصر الجمعة، والذين حذوا حذوهم.. أليس هؤلاء هم الذين يعارضون تسليح الجيش المصرى الحديث، الذى يهدف إلى تأكيد سيادتنا فى المنطقة؟ أليس هؤلاء هم الذين يعارضون المشروعات الاقتصادية التى تهدف إلى أن تلحق مصر بالمكانة التى تستحقها، لتصبح رقماً فى المنطقة يُحسب حسابه..؟ أليس هؤلاء هم الذين يعارضون ثوره ٣٠ يونيو، التى حالت دون أن ينهار هذا البلد، ويصبح مثل الدول التى نعرفها جميعاً؟
أليس هؤلاء هم الذين صفّقوا لاحتلال العراق وتدمير ليبيا وسوريا.. وشاركوا فى تدمير اليمن؟
يقول علم المنطق إن المقدمات تؤدى إلى النتائج، وكل ما قدّمه هؤلاء وما يسعون تجاهه يقود إلى هذه النتيجة وأكثر.. فلتوجهوا غضبكم نحو أنفسكم ولتواجهوها مرة واحدة.. ربما كان ذلك أكثر نفعاً.