خرجت أولى مظاهرات الغضب ضد القرار «الترامبى» الأحمق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أعقبتها مظاهرة بجامعة الفيوم، ثم مظاهرة بجامعة الإسكندرية. إنهم الشباب. ظهرت الوجوه الشبابية أيضاً فى مظاهرة نقابة الصحفيين. وتكرر المشهد فى مظاهرة الأزهر الشريف، وعلى صفحات التواصل الاجتماعى تنوعت وتعددت تدوينات الشباب، وعبرت فى مجملها عن «انتفاضة» يمكن وصفها بـ«انتفاضة جيل السلام».
الجيل الجديد من الشباب ولد ونشأ وكبر فى ظل أجواء السلام بين مصر وإسرائيل، لم يعاصر الحرب، وما ارتبط بها من أحداث وما خلّفته فى وجدان الجيل الذى عاشها من ثوابت فى النظر إلى الإسرائيلى باعتباره العدو الأول لمصر والعرب. زار الرئيس السادات إسرائيل عام 1977، أى منذ 40 سنة، وإذا اعتبرنا أن مرحلة الشباب تبدأ من سن 18 عاماً وتمتد حتى سن الـ35، فإن ذلك يعنى أن جيل السلام هو الذى يتحرك على الأرض الآن ليعبر عن رفضه لأسلوب فرض الأمر الواقع بالقوة، كما تمارسه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. الجيل الذى كنا نظنه أنه نسى القضية، وغاص حتى أذنيه فى الثقافة الجديدة التى تكرست عبر العقود الأربعة الماضية تمكن «ترامب» من إيقاظه وإشعال حسه الوطنى والعروبى من جديد، ليعلن رفضه على الملأ لممارسات «غطرسة القوة» أو «القوة المتغطرسة»!.
هذا الأمر لا ينطبق على جيل الشباب من المصريين فقط، بل ينسحب أيضاً على الشباب داخل العديد من الدول العربية. تعلم أن السنوات الأخيرة شهدت محاولات دؤوبة من جانب بعض الأنظمة الحاكمة لإحلال إيران -كعدو- محل إسرائيل. وعلت بعض الأصوات بالحديث عن أن إيران أخطر على العرب من إسرائيل، لم يكن الأمر كلاماً فقط، بل ترجمته إجراءات وخطوات على أرض الواقع سعت إلى التحالف مع إسرائيل فى الحرب ضد إيران، وضد أذرع إيران فى المنطقة. ربما كانت إيران خطراً بالفعل على العرب، لكنها بحال لا ترقى إلى مستوى الخطر الذى تشكله إسرائيل، ومن المؤكد أن إسرائيل تنظر إلى إيران ونمو القدرة العسكرية والنووية لها كتهديد لها، لكنها تعتبر العرب المحيطين أيضاً خطراً يمكن أن يهددها فى أى لحظة. إسرائيل تريد ابتلاع الجميع، وإخضاع كل دول الإقليم لإرادتها ومشيئتها، تريد إغراق مصر فى مشاكلها الداخلية حتى تنشغل عنها، وتطمع فى مال الخليج، وترفض أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً، لأن هذا السلاح لا بد أن يكون فى يدها وحدها.
قرار «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أضاع الجهود الحثيثة التى بذلت خلال عقود السلام من أجل إسقاط فكرة «عداء إسرائيل» فى عقل ووجدان الأجيال الجديدة من الشباب، وبدد المحاولات التى اجتهدت فيها ألسنة حكم وإعلام وسياسة فى إقناع الشعوب بفكرة «إسرائيل الصديقة.. وإيران العدو». أمريكا وإسرائيل وقعتا فى فخ «اختبار القوة». انظر إلى لهجة وحركات «ترامب»، وهو يعلن القرار، وتأمل مندوب إسرائيل وهو يدافع عنه خلال جلسة مجلس الأمن الجمعة الماضى، لتلاحظ الإحساس الطاغى بالقوة الذى سيطر على كليهما. وأى قوة تضع نفسها فى اختبار خاسرة لا محالة. وعودة الشباب إلى حضن القضية يمثل أولى الخسائر لإسرائيل والمكاسب بالنسبة لمصر والعرب.