قال له:
«لقد أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، ثم استطاع الاثنان بالقوة والخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعى حقه فيما يملك، وفيما يستحق».. واستكمل قائلاً:
وللأسف فإن الولايات المتحدة وضعت ثقلها كله فى غير جانب العدل والقانون فى هده القضية، مجافية بذلك مبادئ الحرية والديمقراطية الأمريكية، ومن المؤسف أن الدافع لذلك هو اعتبارات سياسية محلية لا تتصل بالمبادئ الأمريكية (وسأزيد أنا هنا من عندى كلمة «المعلنة» وغالبيتنا يعرف أن المبادئ الأمريكية المعلنة شىء والأخرى غير المعلنة شىء آخر على النقيض تماماً، وقد كان الزعيم يعى ذلك جيداً، ولكنها الحكمة فى الخطاب يا سادة)، واستكمل: ولا بالمصلحة الأمريكية فى الخارج (وسأزيد أنا هنا من عندى أيضاً عبارة «قصيرة المدى» لأن المصالح الأمريكية طويلة المدى ربما ستواجه من جرّاء أفعال إدارتها الحالية أوقاتاً فى منتهى الصعوبة مستقبلاً أو «أيام سودا» بحسب تعبيرنا المصرى الدارج)، واستكمل: وقد كانت محاولة اكتساب الأصوات اليهودية فى انتخابات الرئاسة هى ذلك الدافع المحلى، ولقد قرأنا لأحد السفراء الأمريكيين السابقين فى المنطقة أن سلفك الرئيس هارى ترومان ألقى بكل قوته، النابعة من منصبه الخطير على رأس الأمة الأمريكية، ضد الحق الواضح فى مستقبل فلسطين، لم يكن له من حجة إزاء الذين لفتوا نظره من المسئولين إلى خطورة موقفه غير قوله: «وهل للعرب أصوات فى انتخابات الرئاسة الأمريكية؟».
(وانظروا معى إلى تلك النظرة الأمريكية المحدودة الأفق والتى يسبقها بكل تأكيد عناد وعجرفة وتسلط وتجبر فى الأرض على الخلائق).
وفى الختام قال له:
«أؤكد لك، بكل صدق يا سيادة الرئيس، أن ما يحكم موقفى ونظرتى إلى (قضية فلسطين) ليس كونى رئيساً للجمهورية العربية المتحدة، وإنما الأصل والأساس هنا هو موقفى ونظرتى كونى وطنياً عربياً من ملايين الوطنيين العرب».
تم.
والآن سأطلب منكم ألا تندهشوا كثيراً ولا حتى قليلاً، فماذا أخذنا قبل ذلك من الاندهاش الذى لن يضيف لمشاعرنا التى أصابها التوتر والاضطراب وأصبحت أكثر غلياناً وغضباً إلا المزيد من الحسرة والألم والوجع على معظم ما وصلنا إليه من أحوال؟ وخاصة عندما سأخبركم أن هذا الخطاب كتبه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للرئيس الأمريكى جون كنيدى فى بدايات الستينات، وليس لدونالد ترامب فى 2017م بعد قراره الأخرق العنترى بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أى مند أكثر من 50 عاماً. كتب الزعيم جمال عبدالناصر رحمه الله تلك الكلمات وباقيتها ليشرح فيها لأمريكا مدى آثار ما خلّفه «وعد بلفور» بعد الاحتلال الصهيونى لأراضى فلسطين، مخاطباً رئيسها باللغة والطريقة الأقرب إليه.
وأقولها فى الختام: دون موقف عربى شامل سياسياً واقتصادياً وشعبياً من هذا القرار الأمريكى المتطرف الذى أعده بمثابة «دعوة للفوضى» استكمالاً لمخطاطتها فى منطقة الشرق الأوسط بعد وشك انتهاء «الربيع العربى»، دون ذلك الموقف الموحد «خلونا هكذا نشجب وندين ونسب ونلعن ونشتم ونلطم أيضاً وخلاص». والموقف يجب ألا يكون مصرياً فقط، لأن «ولا دولة منفردة» تستطيع أن تفعل شيئاً.
وظناً منى بإدراك المزاج العام السائد الآن فلن أطيل عليكم أكثر حتى لا تملوا. وأعلم أنكم ربما ستحاولون إعادة قراءة المقال أو على الأحرى ما ورد بين السطور فى كلمات الرئيس عبدالناصر لأمريكا (وليس للرئيس الأمريكى كنيدى وحده)، وأعتقد أن هذا يكفى. وسأنهى مقالى اليوم مستعيرة جملة وردت على لسان الفنان القدير عادل إمام فى أحد أعماله الفنية، حيث قال: «ماذا أقول؟ وأى شىء يقال بعد كل ما قيل؟ وهل قول يقال مثل قول قيل قبل ذلك»؟.
وربما عن التاريخ المنسى لمسألة القدس وللرد على الأصوات الساذجة بخصوص أن القرار ترامبى شخصى وليس أمريكياً ويتبع سياستها العامة.. ربما سيكون لنا حديث آخر لاحقاً.