1 - فى عام ١٩٤٩.. وحين أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلى -المنتشية بالنصر فى حربها الأولى ضد الجيوش العربية- قرارها الأول عقب الانتصار باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل الوليدة.. اندلعت التظاهرات فى عواصم الأمة العربية المهزومة فى ذات الحرب.. وتأسست بسبب ذلك القرار الأحادى -الذى اتخذته إسرائيل فى تحد سافر للمجتمع الدولى- أول نواة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.. التى مرت عبر تاريخ طويل من الانتصار والانكسار.. ولكنها لم تتوقف حتى هذه اللحظات!!
لقد كان «قرار النصر» الأول لإسرائيل هو المبرر الأول لوجود كيان منظم لمقاومتها.. والسبب الأساسى الذى منعهم لتنفيذ ذلك القرار عبر سبعين عاماً وأكثر!
٢- فى الحادى والثلاثين من يوليو عام 1980.. أقر البرلمان الإسرائيلى قانوناً جديداً يقضى بأن «القدس عاصمة إسرائيل» الأمر الذى جعل إعلان القدس، بالحدود التى رسمتها الحكومة الإسرائيلية عام 1967، مبدأً دستورياً فى القانون الإسرائيلى.
لقد حاولت سلطات الاحتلال تنفيذ قرارها فى ذلك الوقت.. لكنها فشلت بعد أن أقرت أجهزة الأمن الإسرائيلية أنها عاجزة على تأمين المدينة من غضب المقاومة الفلسطينية.. فظل القانون حبراً على ورق.. حتى بعد أن أقر الكونجرس الأمريكى قانوناً بنقل السفارة الأمريكية بتل أبيب إلى القدس فى عام ١٩٩٥.. فقد خرجت تقارير الأمن القومى الأمريكى ترفض تنفيذ ذلك القرار.. حتى اضطر الكونجرس لمنح نفس الرئيس الأمريكى الحق فى تأجيل التنفيذ استناداً إلى معايير حماية الأمن القومى الأمريكى، وظل الرؤساء الأمريكيون يؤجلون تنفيذ ذلك القرار حتى يومنا هذا!!
لقد كانت المقاومة الفلسطينية هى الشوكة التى تمنع تنفيذ كل ما سبق من قرارات.. وستظل..!
٣- يُعتبر النزاع القائم حول وضع القدس تحديداً مسألةً محورية فى الصراع العربى الإسرائيلى، فمنذ أن أقدمت الحكومة الإسرائيلية بعد حرب سنة 1967 على احتلال القدس الشرقية -التى كانت تتبع الأردن- وألحقتها بإسرائيل واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها، والدول العربية مجتمعة وعلى رأسها الدولة المصرية لا تعترف بهذا الضم.. وتدفع المجتمع الدولى أن ينظر للقرار على أنه والعدم سواء.. المشكلة أن سبيل المفاوضات السلمية لم يصل إلى حل جذرى عبر كل العقود السابقة.. ولم يحصل الفلسطينيون على أى مكتسب سوى على موائد المفاوضات التى تلت الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة.. أو التى حدثت نتيجة للحروب التى خاضتها مصر تحديداً دفاعاً عن أرضها.. لقد أصبح واضحاً للجميع أن إسرائيل «بتخاف ماتختشيش».. وأنها لا ترضخ لمفاوضات إلا بضغط الغضب الشعبى والمقاومة المسلحة التى لم تنشأ بدورها أبداً إلا كردة فعل لتصرفات خرقاء وقوانين مجحفة أقرها وأصدرها عدو «غبى» بكل تأكيد.
٤- «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم».
بهذه الكلمات القوية والواضحة أعلن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر عن دعمه الكامل للمقاومة الفلسطينية ضد القرار الأمريكى بنقل السفارة إلى القدس.. لقد تحركت الدولة المصرية بأجهزتها المختلفة بشكل مشرف ضد ذلك القرار.. فالبيان المصرى يعتبر أوضح البيانات التى صدرت على المستوى الدبلوماسى.. كما كان موقف شيخ الأزهر برفضه مقابلة نائب الرئيس الأمريكى وإصداره بياناً شديد اللهجة رفضاً للقرار موقفاً يحسب له.. لقد كانت التحركات المصرية سبباً مباشراً لرفض معظم دول العالم ذلك القرار.. وكانت تحية شيخ الأزهر للمقاومة الفلسطينية اعترافاً صريحاً أنها السلاح الأول والأقوى فى القضية الفلسطينية بالكامل.
٥- لم يكن قرار ترامب الأخير بعيداً عن الأذهان منذ أن تولى الحكم.. فقد كان الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وعداً صريحاً قطعه على نفسه أمام اللوبى اليهودى وقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. والحقيقة أننى أرى أنه لم يضر القضية الفلسطينية.. بل ربما أفادها كثيراً.. لقد كان قراره باعثاً لاستحضار القضية أمام المجتمع الدولى.. وسبباً مباشراً اجتمع من أجله الكيان العربى كله -ربما لأول مرة- منذ فترة ليست بالقصيرة.. لقد تراجعت الإدارة الأمريكية عن التنفيذ مرة أخرى كما تراجعت من قبل.. ولكن ظل قرار الرئيس الأمريكى باعثاً للقضية بأكملها من جديد.. ربما كانت التحركات الدبلوماسية مهمة.. ولكنها تظل تستمد قوتها من المقاومة الشريفة التى يقوم بها الفلسطينيون للدفاع عن أرض المعراج.. ستظل زهرة المدائن عاصمة لفلسطين ما بقى من الدهر.. وستظل المقاومة الفلسطينية هى السلاح الأقوى فى وجه العدو الغاشم.. ويظل الشكر كل الشكر للرئيس الأمريكى.. الذى ذكر العالم كله بتلك الحقيقة.