أحد الكُتاب فى صحيفة قومية كتب مقالاً يطالب الحكومة بالاستيلاء على 70% من ثروات رجال الأعمال، ويدافع عن منطقه بأنهم جمعوا أموالهم بأساليب غير مشروعة ومن حق الدولة الاستيلاء عليها مثلما تفعل السعودية مع أمرائها ورجال أعمالها، حقيقة استغربت من هذا الكلام الذى يضر ولا ينفع ويؤدى إلى هروب المستثمرين المحليين، وعلى سمعة مصر العالمية، وبالتالى لا يشجع مستثمرين أجانب على الدخول إلى السوق المصرية، خطورة هذا الكلام أنه فى صحيفة قومية، وقد يتخيل البعض أنه توجه دولة، وهذا غير حقيقى، كما أن إطلاق الأحكام بهذه العمومية يُوحى بأن كل رجال الأعمال فاسدون ومافيا أراضى، وهذا أيضاً غير حقيقى، ثالثاً كاتب هذا الكلام يتصور أن يقرأه سكان القاهرة فقط، ولا يعلم أن كل ما يُكتب أو يذاع فى مصر يتابعه العالم ثم يحلله وبناء عليه يتخذ قراراته ومواقفه، رابعاً هذا الكلام يعيدنا إلى عصور الجاهلية والتأميم والمصادرة رغم أن قانون الاستثمار الجديد منع صراحة كل هذه الأساليب حتى يعطى رسالة طمأنينة للمستثمرين المحليين والأجانب على أموالهم وممتلكاتهم وأنفسهم، والدول التى تفعل ذلك تدفع الثمن أضعاف مما تحصل عليه لأنه يؤدى إلى هروب المستثمر المحلى وعزوف الأجنبى، كل فئات المجتمع فيها الصالح والفاسد ولكن الشرفاء دائماً هم الأكثرية، والفاسدين أقلية حتى تستقيم الأمور وتستمر الحياة.
فلدينا قضاة وضباط وأطباء ومهندسون خلف القضبان فى قضايا فساد، كذلك مجتمع رجال الأعمال فيه أيضاً الصالح والطالح، والتعامل معهم يجب أن يكون بالقانون وعلى الفاسدين فقط وليس بإطلاق الاتهامات الجزافية عليهم جميعاً، الرئيس بوتين (بمناسبة زيارته لمصر) حينما تولى حكم روسيا اجتمع بالمافيا وعرض عليهم طريقين؛ إما السجن أو إقامة مشروعات (للإنتاج والتوظيف) اختاروا الأخيرة فاستعادت روسيا عافيتها الاقتصادية.
رغم كل المشاكل والتحديات التى يتعرض لها القطاع الخاص فى مصر إلا أنه يقوم بدور وطنى كبير، وهو الذى يحمل البلد على أكتافه ويؤدى معظم الخدمات وبنسبة كبيرة جداً تصل إلى 90% فى النقل والمواصلات و70% فى الصحة والتعليم وغيرها، ويعمل فى القطاع الخاص 20 مليون مواطن، أى أربعة أضعاف العاملين فى الحكومة، مصر حالياً تتعرض لتحديات كبيرة داخلياً وخارجياً وحوادث إرهابية تستهدف أمنها واستقرارها ويجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونعترف بأن المستثمر الأجنبى سوف يفكر مليون مرة قبل المجىء إلينا -وقد لا يأتى أصلاً- إذاً الحل فى المستثمر المحلى، فهو من يحمل بلده وقت الشدائد والأزمات ولن يهرب منه بسبب الإرهاب ولكنه قد يهرب بسبب الإعلام الذى يحرّض الحكومة عليه ويتهمه دائماً بالفساد ويتعمد تشويه سمعة رجال الأعمال، يجب على الدولة حماية المستثمرين المحليين الجادين ومساندتهم وتذليل العقبات أمامهم وحملهم على الرؤوس والأعناق، وحتى الطالح منهم يجب تسوية مشاكله بعيداً عن الإعلام حفاظاً على مجتمع الأعمال بالكامل، ويجب أن تدرك الدولة أن المستثمر المحلى هو السنارة التى تصطاد نظيره الأجنبى ومعاناة المستثمر المحلى أسوأ دعاية للاستثمار، كما يجب تغيير نظرة المجتمع للمستثمرين لأنهم يقومون بدور وطنى عظيم وعليهم مسئولية اجتماعية كبيرة ومعظمهم شرفاء.
التحدى الاقتصادى أصعب ما يواجه مصر حالياً والرئيس السيسى يدرك ذلك ويسعى فى الداخل والخارج لجذب مستثمرين جدد، ووزارة الاستثمار تسعى أيضاً لتهيئة مناخ الاستثمار، وكل مؤسسات وقيادات الدولة تبذل جهوداً كبيرة لتحسين مستوى معيشة المواطن والعبور بالبلاد إلى بر الأمان، ولكن للأسف هناك من يحاول إفشال كل هذه الجهود سواء بقصد أو دون قصد.
وإن شاء الله سوف تحيا مصر ولكن بالعمل والإخلاص.