تصريح يستحق التأمل أدلت به السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكى هالى، قالت فيه إن الاعتقاد بأن السماء ستطبق على الأرض بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل كان وهماً، لأن شيئاً من ذلك لم يحصل، وتابعت «هالى» بسخرية: «الطبيعة البشرية للبعض تعتقد أن ما حصل أمر فظيع لكن ماذا لو كان المفيد هو ما فعلناه.. ما نقوله أمر حقيقى القدس عاصمة إسرائيل».
كلام الست «هالى» الساخرة الشريرة من ارتخاء العرب لا يخلو من واقعية. لا يستطيع أحد أن يجادل فى أن ردود الأفعال التى أعقبت القرار الأمريكى لم تكن ترتقى إلى مستوى الحدث. نعم اندلعت مظاهرات فى عدد من الدول العربية والإسلامية، وحدثت مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، سقط فيها شهداء ومصابون، لكن كل ذلك لا يعنى أن رد الفعل كان مساوياً للفعل الأمريكى. الواضح أن الأمريكان اعتادوا على مظاهرات الغضب العربية، ولم يكن لديهم توقع بأن يتحرك الزعماء العرب -لا سمح الله- فى رد فعل يتجاوز حد الإدانة والشجب الذى اعتادوا عليه. فى هذا السياق يصح أن نفهم حالة السخرية التى انتابت «الست هالى» وهى تتحدث عن رد الفعل على قرار «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لا يمنع ما سبق من القول إن السفيرة الأمريكية أرادت أن تقرأ رد الفعل من زاوية واحدة، هى الزاوية المعتادة، لكنها لو تأملت المشهد بدرجة أعلى من العمق، فستجد أن ثمة جديداً طرأ على ردود فعل العرب والمسلمين هذه المرة؛ تمثل أوله فى تلك الأصوات التى بدأت تجاهر بطرح خيار المقاومة كبديل لفكرة التفاوض السلمى مع إسرائيل، وبلغ الشطط بالبعض حد الحديث عن الحرب على إسرائيل. ورغم عدم واقعية الفكرة فى الظرف الحالى فإن طرحها يمثل تحولاً فى نمط علاقة العرب بإسرائيل. كان جديداً أيضاً أن تظهر أحاديث عن «الكفاح المسلح ضد إسرائيل» ترددت من جانب بعض الميليشيات العربية مثل ميليشيا عصائب الحق العراقية، والميليشيا التى يقودها «مقتدى الصدر». ليس ذلك وفقط، فقد تطور الأمر إلى حد إعراب وزير الدفاع الماليزى عن استعداد بلاده للتدخل العسكرى من أجل القدس. نحن بصدد خطاب جديد يعود الفضل فى ظهوره إلى القرار الخطير الذى أصدره «ترامب» واستخفت السفيرة الأممية الأمريكية بردود فعله.
داخل العديد من الدول العربية والإسلامية التى ترتبط بعلاقات واتفاقيات مع إسرائيل، تعالت أيضاً الأصوات المطالبة بمراجعة الموقف من الدولة العبرية. فى فلسطين هناك دعوات للتحلل من اتفاق «أوسلو». وفى الأردن تقرر أن يعيد مجلس النواب الأردنى النظر فى اتفاقية وادى عربة. إذا أضفنا إلى ذلك رفض استقبال نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس من جانب السلطة الفلسطينية، ورمزين دينيين مهمين فى مصر، هما شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، فسنخلص إلى حقيقة أن فكرة السلام مع إسرائيل تخضع للمراجعة، وهو أمر يمكن أن يكون له نتائج خطيرة على المدى القريب. ردود الفعل اللحظية مهمة ولا شك، لكن يبقى أن الأمور الجللة التى تقتضى رد فعل يليق بحجمها يستوجب مرور الوقت الكافى. وتقديرى أن وضع إسرائيل داخل المنطقة بعد القرار الترامبى لم يعد مثلما كان من قبل.