فى رحلة سفر طويلة شاهدت بالطائرة فيلمين: الأول عربى وهو «آخر ديك فى مصر»، والثانى إنجليزى وهو «الجميلة والوحش». وفى الحقيقة ما شجعنى على مشاهدة الفيلم العربى هو أنه من تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة وأيضاً تمثيل محمد رمضان، وهو شاب أثبت كفاءة فى فى تجسيد العديد من الأدوار. ووجدت فكرة الفيلم جيدة، إلا أنه كان يمكن أن يكون أكثر عمقاً مع الحفاظ على الروح الفكاهية والصورة الجميلة.
الفيلم يدور حول التصور التقليدى للزوجة كمخلوق ممل ونكدى، ما جعل الابن (الشخصية الرئيسية) يُحجم عن الزواج، وإذا بالعائلة تفقد كل الرجال، رحلة رجالية فقط، هربوا جميعاً من زوجاتهم النكديات، فاضطر هذا الابن للعودة للعيش مع كل نساء الأسرة. وتتوالى أحداثٌ تغير رأيه. حاول الفيلم التلامس مع القضايا النسائية للمرأة مثل العمل وعدم الإحساس بالأمان والطلاق وغيره، ويعكس البعد الدافئ للمرأة كمخلوق حنون، دافئ، مُضح. الفكرة جيدة، لكن سعى المؤلف لأن تكون كوميدية جعله يصر على تأكيد الرؤية الذكورية السطحية التى تراها مخلوقاً نكدياً لينتزع الضحكات من التناقضات، لكنه كان بحاجة إلى جهد أكبر حتى لا يسقط الفيلم فى السطحية وعدم القدرة على الوقوف على أى من القيم التى حاول طرحها، وانتهى بالتأكيد على ما سعى لتغييره.
شعرت بالإشفاق على صنّاع الفيلم لأنه كان يحمل فكرة لو تمت خدمتها جيداً وتعميقها ربما كانت قدمت فيلماً من الأفلام التى تعيش مع الأجيال.
بعد هذا الفيلم شاهدت فيلماً إنجليزياً روائياً بديعاً وهو «الجميلة والوحش». وهو إعادة تقديم لقصة أطفال كلاسيكية قُدمت سابقاً بأكثر من صورة أشهرها كرسوم متحركة. الفرق بين النسخة القديمة (الكرتونية) من الفيلم والنسخة الجديدة عكَس فرق التطور فى المجتمعات وفى التفكير ورؤية المجتمع لدور كل من الرجل والمرأة مع الحفاظ على كونه فيلماً ناجحاً تجارياً وفنياً وغنائياً وإنسانياً. ففى النسخة الأولى كانت النظرة للمرأة تقليدية تقف عند الجانب العاطفى لها، وهو دور ليس لها إرادة فيه وأنه طبيعتها، فقد ضحت بحريتها من أجل أبيها، ومن فرط حنانها تحول الوحش إلى إنسان.
أما النسخة الحديثة لنفس القصة فتقدم المرأة كشخصية لها إرادة تقرر من تريد أن تتزوج، وتواجه الضغوط وتسعى للاستقلال، ومع ذلك تظل حنونة تضحى بحريتها من أجل والدها، وعندما رأت الإنسان بداخل الوحش دافعت عنه ببسالة وأنقذت حياته وحوّلته لإنسان يرى فيها الحب والعطف وفى نفس الوقت القوة والإرادة، ويقرران استكمال حياة مبنية على الشراكة بين إنسانين متكافئين فى المشاعر والقوة.
الفرق بين الفيلم العربى والفيلم الأجنبى أشعرنى بفجوة هائلة فى المفاهيم الإنسانية لدى صنّاع السينما فى مصر وصنّاع السينما فى العالم، فرق هائل فى الثقافة وفهم التغيرات الثقافية والإنسانية التى تحدث فى المجتمع المحلى والعالمى، وهى تغيرات طالت مصر والبلدان العربية أيضاً ولم تعد حكراً على مجتمع نتيجة ثورة الاتصال. هذه التغيرات التى جعلت كثيراً من الفتيات فى مصر لا يرين فى الزواج هدفاً فى حد ذاته، وإنما وسيلة لبناء شراكة حقيقية إن لم تتحقق بشروطها ترفضه وتكمل حياتها ونجاحها العملى.
تطور إن لم يدركه صنّاع السينما فى مصر لن يكون للأفلام عمر أطول من علبة الفيشار التى يتركها المشاهد خالية وراءه فى السينما قبل أن يخرج.