من حين إلى آخر يجد بعض الإعلاميين، وأحياناً بعض السياسيين، أنفسهم فى حالة شغف بسب ثورة 25 يناير. يبدو أن البعض يطبق شعار «كل ما تلاقى نفسك فاضى أو مش لاقى حاجة تقولها اشتم فى ثورة يناير». «يناير» ليست فوق النقد، لكن النقد شىء ومحاولة تشويه حدث شارك فيه ملايين المصريين شىء آخر، كما أن التذرع بيناير فى مواجهة كل مشكلة أصبح نغمة ماسخة. فمشكلة سد النهضة سببها قيام ثورة يناير، وتراجع قيمة العملة والتضخم والغلاء سببه ثورة يناير، حتى التعقيدات الأخيرة التى ضربت المشكلة الفلسطينية ينسبها البعض إلى ثورة يناير. «شماعة يناير» أصبحت مثقلة إلى حد يثير الرثاء، ليس على الثورة، بل على من «يتشمعون» بها فى مواجهة كل مشكلة. ثمة مجموعة من الأفكار قد يكون من المفيد وضعها أمام مجموعة «المتشمعين بيناير».
الفكرة الأولى ترتبط بأن يناير لم تحكم فعلياً بعد 11 فبراير 2011، بل قبعت فى مرمى هجوم الجميع منذ هذا التاريخ. يمكن القول إنها أفسحت الطريق وأعطت فرصاً لمن حكموا بعدها، فرصاً لم تكن ستتاح لهم بحال من الأحوال إذا استمر «مبارك» فى الحكم. ومن المعلوم أن آراء القريبين من سدة الحكم قبل يناير اختلفوا فى مسألة التوريث، فمنهم من قال إن «مبارك» كان ينوى توريث ولده «جمال»، ومنهم من نفى ذلك، ويبقى أن الاختلاف حول المسألة يعنى أنها كانت مطروحة. حكم المجلس العسكرى بقيادة المشير «طنطاوى» لمدة عام، ثم جاء الإخوان، وثار الشعب عليهم فى 30 يونيو. نُظر إلى «يونيو» فى البداية كخطوة تصحيح لـ«يناير»، لكن بمرور الوقت أراد البعض قطع جسر الصلة بينها وبين يناير. وكثير من الشواهد على الأرض تؤكد أن يناير بعد (30 يونيو) أصبحت مجرد سطر فى كتاب الدستور. الله تعالى أعلم هل يمكن أن يبقى إذا حدث تعديل فى الدستور أم لا؟
الفكرة الثانية تتعلق بالفخ الذى يقع فيه المتشمعون بيناير، حين يمتدحون ما كان قبلها ويصمون من شارك فيها بالتآمر على البلاد والعباد. المتشمعون لا يستوعبون أن كلامهم هذا ظاهره نقد يناير، لكن باطنه نقد الأوضاع الحالية. فأى شخص يمكن أن يرد عليهم قائلاً: إذا كانت الحياة فى مصر قد ارتبكت وتراجعت بعد ثورة يناير فالحل بسيط، هو: «عودوا إلى أماكنكم قبل يناير»، وكأن شيئاً لم يكن. عندكم حسنى مبارك ما زال حياً يرزق، وإذا لم تكن ظروفه تسمح، فعندكم ولده، ولا أظن أنه أقل من غيره من رموز عهده شوقاً إلى الحكم. إن قليلاً من التمييز قد يكون مفيداً لـ«المتشمعين»، وقليلاً من التأمل قد يعينهم على وضع الأمور فى نصابها، وتسمية الأشياء بأسمائها، بعيداً عن التمحك أمام كل مشكلة بثورة يناير.
الفكرة الثالثة تتعلق بالمشهد الكوميدى الذى يضعون أنفسهم فيه. فمثلهم كمثل سليمان نجيب فى فيلم «الآنسة حنفى» حين كان يردد فى مواجهة كل مشكلة يقابلها عبارة: «لو كنت أخدت الوصل»، فى إشارة إلى ثروته التى أقرضها لأحد التجار دون أن يأخذ عليه «إيصالاً»، فما كان من الأخير إلا أن نصب عليه. لسان حال المتشمعين بيناير يردد «لو ما قامتش يناير». فليفكروا أين كانوا سيكونون اليوم «لو ما قامتش يناير»، وسيضحكون كثيراً!