"إن لم تستح فافعل ما شئت/الجنيه غلب الكارنيه/أبجنى تجدنى.........."
مصطلحات وعبارات متنوعة تصب كلها فى كأس واحد .. المصلحة .. المصلحة ولا شئ غيرها .. والمصلحة هنا ليست الصالح ولكنها المكسب والاستفادة دون أية اعتبارات أخرى فالمبدأ هنا واحد ... المصلحة أولاً وقبل أى شئ ... المصلحة فوق الجميع!
للأسف ارتبط الوسط الإعلامى بالمصلحة ارتباطاً وثيقاً بل أصبح يتحكم فيه سواء كان إعلاماً مرئياً أو صحفياً على وجه الخصوص فالانفرادات أصبحت هاجس يطارد العاملين فى هذا المجال لتحقيق أكبر المكاسب وأعلى نسب مشاهدات وأخذ الـ "سوكسيه" الخبرى دون الاعتبار لأخلاقيات مهنة ولا ميثاق شرف ليتحول فى غفلة ضمير وإنسانية أحياناً هذا الانفراد لـ "قلة أدب"!
"قلة أدب" حقيقة كانت فى نشر صورة خاصة بالنجمة الراحلة "شادية" فى أدق مراحل مرضها خصوصية وهى التى ابتعدت عن الإعلام منذ اعتزالها ملتزمة بتحجبها الكامل ليعود بها أحد المتطفلين بصورة ملتقطة بالموبايل "سرقة" على سريرها الخاص بالرعاية المركزة فى انتهاك صارخ لخصوصيتها وحساسية الموقف الدقيق التى تمر به ويتألم منه عائلتها وجمهورها ليتم صدمة الجميع بهذه الصورة عن طريق "لص" دفع له مقابلها لشراءها ونشرها "شيخ منصر".
الغضب الكبير الذى صاحب نشر تلك الصورة جعل من هذا العمل "خسة" لا تغتفر فتمر الأمور وتنتهى باحتقار الفعل والفاعل لترحل "شادية" وتتوارى الفعلة فى زخم الحزن وفقدان نجمة نادرة لن تتكرر لنفاجأ بصدمة أشد وأقسى بعد استغلال أحدهم القرب منها ونشر صورة لها فى منزلها بدون حجابها فى خيانة قاتلة للأمانة بفعلة هى أشد "خسة وندالة" من مجرد وضعها فى إطار "قلة أدب"!
الجانب الوحيد المضئ فى هذا الحدث القاتم هو رفض الجمهور للصورتين بل رفضه لمشاهدتهما من الأساس وتداولهما مما وضع صاحبا الصورتان وناشرهما فى أسوأ المواقف من التدنى المهنى والإنسانى أمام ضمير حى للجمهور الذى يتحجج به البعض فيما يقدمونه أنه تلبية لرغباتهم فى عرفهم السائد بأن الجمهور "عايز كده".
الحقيقة أن ما حدث مع الراحلة "شادية" لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير فهناك الواقعة الأشهر فى تاريخ الصحافة عندما تم نشر صورة لجثة الرئيس الراحل "أنور السادات" داخل المستشفى فى حالة خاصة جداً بعد مقتله غدراً انتهكت بها حرمة الموت وهو الأمر الذى يؤكد أن ما يحدث الآن ليس وليد الصدفة أو التطور ولكنه مبدأ "شمال" يتطور مع تطور الزمن ومعطياته وأدواته.
تتعدد الأمثلة والأحداث فى ظاهرة يضفى أصحابها عليها شرعية من وجهة نظرهم ليعطوها وضع "شيك" فيطلقون عليها الـ "باباراتزى" وهى الظاهرة المنتشرة على مستوى العالم ويقوم أصحابها بمطاردة المشاهير والتقاط صوراً لهم "سرقة" فى لحظاتهم الخاصة التى يعيشونها بعيداً عن صخب الشهرة فى ممارسة الحرية لحياتهم الشخصية ليتربص بهم هذا الـ "قناص" بعدسته ويقتحم هذه الخصوصية ويفضحها مقابل بيعها بمبالغ طائلة من اللاهثين خلف الفضائح والانفرادات الحصرية ولعل أشهر الوقائع فى هذا الإطار كانت نهاية أميرة القلوب "ديانا" فى حادث مروع بعدما أصبحت أدق لحظات حياتها الشخصية فى شهورها الأخيرة على الهواء مباشرة بواسطة الـ "باباراتزى" أما عندنا فحدث ولا حرج.
المشكلة فى هذه المهنة ليست أخلاقياتها ولكن أخلاقيات بعض من يعملون بها فبكل تأكيد مبادئ المهنة "النظرية" تختلف تماماً عن مبادئها "العملية" وهو ما يتوقف على شخصية الأشخاص التى تدير الموقف والتى أصبح المجتمع يلفظهم بعدما تطورت العملية من مجرد اقتناص لإنفراد إلى اقتناص كسلاح للتشويه والتخلص من الخصوم أحياناً وتصفية الحسابات فى مواضع أخرى مستغلاً ظاهرة الـ "سوشيال ميديا" التى تنتشر بما تريد كالنار فى الهشيم بجانب الإعلام والأمثلة كثيرة وكبيرة تشرح نفسها ولا تحتاج الإشارة إليها ولعل أبرزها ما حدث فى واقعة الصور الشهيرة للمخرج "خالد يوسف" فأصبح الوضع الآن أكثر تطوراً وتعقيداً فكلما جمعت المزيد من المعلومات الخاصة والمستندات و"السيديهات" كلما حصنت نفسك بسلاح ردع للتخلص من خصومك والتنكيل بهم لتفتح الباب أمام تجارة الـ "فضائح" والتى لا تختلف كثيراً عن تجارة السلاح المعروفة فى خطورتها ومعانيها وربما تحتاج لنفس تكييفها القانونى.
الواقع يؤكد أن إصلاح هذا الوضع الـ "مائل" لن يأتى بالفرض على المؤسسات الإعلامية والصحفية لأنها ستتحجج بالحرية والتى يفترض أنها ليست مطلقة ولها نهاية وسقف يجب ألا تتخطاه ولكنه يجب أن يأتى من وازع أخلاقى شخصى ومهنى قد نحتاج فيه للجلسات العرفية بأن يلتزم كل أصحاب هذه المؤسسات وإداراتها برفض هذه الأفعال بعدم الالتفات لها أو نشرها وتداولها كبوابة مرور ثم يكون العقاب القانونى الصارم لمثل هذه الانتهاكات .
يجب أن ينتبهوا لاحترام الجمهور لهم والذى يتلاشى أمام هذه المواقف التى تتسابق فيها تلك المؤسسات لتحصل على أعلى مشاهدة وانتشار داهسة كل المبادئ والقيم الإنسانية والدينية فكلها مكاسب وقتية مشبوهة لن تضيف لأصحابها إلا رصيد من انتقاص واحتقار الجمهور لهم.
المهنية أخلاق وأدب والإنفراد الحقيقى هو السبق فى الحصول على الخبر والمعلومة وليس التسابق على انتهاك الخصوصية والحرمة وإلا فقد صفته وتحول هذا الانفراد إلى...... "قلة أدب".