أطفالنا هم أغلى ما نملك وأعظم ما نترك، كثير من البشر يحلم بطفل يحمل اسمه ودمه، وأمجاد أسرته إن كان لها مجد، أو تحقيق مجده الخاص، من خلال فلذة كبده ليعوّض به ما فاته هو.
الأبوة والأمومة شىء غريزى فطرى يُجبل عليه الإنسان، عاطفة أصيلة بالوجدان، يتبعها الخوف عليهم والتضحية مِن أجلهم وإفناء الصحة والوقت والجهد من أجل إسعادهم، كلٌّ بطريقته فى التعبير عن هذا الحب والتعلق، لكن الأفضل دائماً هو من يهتم ببناء الإنسان داخل أبنائه.
خلق آدم بالأساس لإعمار الأرض، من بعد عبادة الله الواحد، وأرسل الله الرسل والرسالات التى تنادى جميعها بحسن الخلق والتزام آداب وقواعد الكون وتُنذر من عاقبة سوء التصرف إيمانياً وأخلاقياً وتتوعّد المخالف بالغضب والعذاب الأليم، أليست هذه هى خطوط الكون العريضة!! أليس هذا هو سر وسبب ومعنى وجودنا وذرياتنا على هذا الكوكب!!!
لماذا إذاً، نرى يومياً أطفالاً عجيبى الطباع، نسوراً وضباعاً!! بأخلاق بشعة وخصال مؤرقة، على جميع الأصعدة، وفى جميع المستويات؟!! لماذا ننجب أطفالاً ولا نهتم بتربيتهم وتنشئتهم؟! لماذا نخرجهم للعالم دون قيم ودون مبادئ ودون إنسانية ورحمة؟!!
(الإناء ينضح بِمَا فيه) هى حقيقة مؤكدة، والأبناء على شاكلة آبائهم وأمهاتهم، وكل بيت له صفات وشكل وطِباع، فإما أن يكون بيتاً طيباً مباركاً جميل الخصال، أهله مسالمون، عندهم طيب الخلق، وحسن النوايا، وجميل الصفات، فينير بركة وستراً وسروراً وحبوراً، أو يكون -والعياذ بالله- بيت كيد وشر وغيرة وحسد وحمق وحقد على الدنيا وعلى عباد الله!! فينفث فى المجتمع بغضاً وقبحاً، نحن فى غنى عنه.
يولد الإنسان على فطرة الخير والصلاح، ثم يشكل الآباء والبيئة المحيطة هذا الإنسان بتشكيل آخر! وهنا مربط الفرس، فما عاد أكثر البيوت طيباً وليس أغلب الناس سوياً!! ربما مادية الحياة أو افتقاد القدوة الطيبة، أو ظهور آفات مجتمعية وتربوية مدسوسة خبيثة تضرب هذا المجتمع فى مقتل!! وربما التساهل والتهاون فى كل شىء، وربما العنف والعداء والشك الذى حل محل التعاطف والتراحم والشفقة والإنسانية.
ناهيك عن كوارث كبرى لا يسلم منها الغنى ولا الفقير، من ضرب فى أساس وروح الأسرة، فترى أبناء يربيهم أصحابهم أو رفقاء السوء أو مجموعات عَلى وسائل التواصل الاجتماعى تدعوهم إلى السهرات الفاسدة والانحلال والمخدرات وتحرّضهم على مغافلة الأهل الذين هم غافلون أصلاً، وغير معنيين بالانتباه إلى أبنائهم، هذا حال الأسر ميسورة الحال، أما الأسر الفقيرة فتتّخذ من فقرها ذريعة لذات المفسدة، وهروب أبنائها لذات الشارع، لكن من حاراته الضيقة والمظلمة (الشوارع الخلفية) ويحدث ذات الشىء من الانحلال والتفكك والهدم، لكن بإمكانيات فقيرة.
أهكذا تُبنى المجتمعات والبلدان وتتطور الأمم؟! الصورة والواقع سيئ بالفعل ودون مجاملات! كميات الأمراض النفسية والأعطاب بشخصيات الأطفال والشباب للأسف كبيرة، وجيل يُسلم جيلاً آخر راية الخواء والجفاء والجهل والعطب، فالعلم والمعرفة ليس بالعلوم فقط، بل أساسه الروح والوجدان والأدب.
بالماضى كان يقوم على تربية المجتمع جهاز إعلامى واعٍ معافى، مسلسلات وبرامج وإنتاج يحث على الأخلاق والقيمة والمبدأ، وكانت المدارس والجامعات حصناً آخر يتمّم عملية التربية السليمة، وللأسف ما عاد الجهازان يقومان بهذا الدور العظيم، بل على العكس أصبحا مرتعاً لسوء الخلق وعدم التربية والتسيب!!! والبيوت لم تعد بيوتاً، وقد غزاها الانفصال والطلاق وعدم تفهم الأهل لمعنى الأخلاق، أو على أفضل الأحوال تشدّقهم باتباع آخر موضات التربية الحديثة كأبواق تردّد ولا تفهم!!! أنقذوا الطفولة بالتربية والعناية والرعاية، الأطفال هم الأمل، هم الغد، وأخلاقهم تنبئ عن غدهم وغد وطنهم.