منذ مذبحة الساجدين التى شهدها مسجد الروضة بالعريش (نوفمبر 2017)، وهناك ما يشبه الاتفاق بين الكثير من المتابعين بأن «المدنيين» أصبحوا هدفاً للإرهاب والإرهابيين. قبل هذه الواقعة بأسابيع، لم يكترث كثيرون بخبر تداولته وسائل الإعلام تحدث عن إرهابى سلم نفسه لقسم شرطة البساتين، قبل أن يقوم بتفجير مول شهير بالمعادى. أرشد الإرهابى عن سيارة مفخخة تحمل 10 كيلو متفجرات، كانت تركن أمام المول، تم إبطال مفعولها بمعرفة الأجهزة الشرطية. حدثت هذه الواقعة أوائل (أكتوبر 2017). وبعد مذبحة الساجدين بأيام معدودات أعلنت الأجهزة الأمنية عن إبطال مفعول عبوة ناسفة تزن 250 كيلوجراماً كانت تستهدف المدنيين بالعريش، وبعد هذه الواقعة بعشرة أيام (الجمعة الماضى) أُعلن عن إبطال مفعول أسطوانتين مجهزتين للانفجار بكوبرى أرض اللواء بشارع السودان.
ثمة خطر يلوح فى الأفق. خطر مصدره مجهول إلى حدٍّ كبير. لا أحد يعلم -على وجه التحديد- الجهة التى تولت كبر مذبحة الساجدين بالروضة. أصابع الاتهام تشير إلى «داعش»، لكن التنظيم لم يعلن مسئوليته عن الواقعة، كما تعود فى أحداث إرهابية سابقة. هناك من يقول إن تنظيماً منشقاً عن «داعش» هو الذى قام بالعملية، وإن قوات مكافحة الإرهاب التى تولت مهمة مطاردة المسئولين عن المذبحة قتلت أعضاءه جميعهم، وربما يكون ذلك هو السبب فى عدم إعلان التنظيم المنشق مسئوليته عن المذبحة. الأمر نفسه ينطبق على الوقائع التى تلت المذبحة الكبرى، التى تتوجّه بشكل محدّد إلى المدنيين.
مؤكد أن هناك طرفاً يخطط ويُنفذ تلك العمليات الإرهابية ضد المواطنين العاديين، لكنه غير معروف، الأمر الذى يضع الناس أمام خطر مجهول غير محدّد الهوية. هو خطر بكل معنى الكلمة، لأن المدنيين هدف سهل لأى عمليات إرهابية، ومن المؤكد أن أى عملية من هذا النوع لا بد أن تخلف عدداً ضخماً من الضحايا، تماماً كما حدث فى مذبحة الساجدين بالروضة، الأمر الذى يثير حالة من الذعر والفزع بين البسطاء، ناهيك عما يُسبّبه من إرباك فى الحياة العامة. ومن الطبيعى أن يزداد حجم الذعر والفزع والإرباك حين يكون مصدر الخطر مجهولاً، أو متخفياً بين المجموع، ويسعى بينهم، وفجأة يفعّل إرهابه ضدهم. نحن أمام تنظيم قذر بمعنى الكلمة. فاستهداف المدنيين المسالمين أمر لا يقره شرع ولا دين ولا عرف ولا قانون ولا حرب ولا صراع.
الناس فى حاجة إلى نوع من الطمأنة، خصوصاً أن هناك من يسعى لتعميق إحساسهم بالذعر والخوف، ولعلك تذكر تلك الأزمة التى أثيرت مؤخراً حول تحذير السفارة الأمريكية لرعاياها بعدم التجول فى «مولين» كبيرين وشهيرين بمدينة نصر، وهو ما نفته السفارة فى ما بعد. جوهر الطمأنة هنا يرتبط بالكشف عن منفّذى مذبحة الساجدين. من المؤكد أن العمليات التى قامت بها القوى الأمنية للثأر من قتلة الساجدين مهمة ومطلوبة، لكن ثمة مهمة أخرى لا بد أن تلتزم بها أجهزة الدولة تتعلق بالكشف عن الجناة. ليت الدولة تتخلى عن سياسة التعويم بالحديث عن «الإرهاب»، نريد أن نعرف من هو التنظيم المحدّد الذى يستهدف المدنيين، وكيف ستتصرف معه الأجهزة المعنية.