سيقول البسطاء من الناس أو سيقولون للبسطاء منهم: «هذا واقع ومجتمعنا تغير، بالفعل يوجد أسوأ من ذلك فيه، وعلينا أن نواجه أنفسنا ولا ندفن رؤوسنا فى الرمال ونناقش كل شىء»، ونقول: من أجل ذلك يكون الفرق بين السينما وما يُعرض فيها ويذهب الناس إليها بإرادتهم الحرة وبمحاذير كبيرة، منها عدم اصطحاب الأطفال، ومنها علامات وشروط «للكبار فقط» وبين التليفزيون المكلف أساساً بالارتقاء بوعى الناس وذوقهم العام والحفاظ على تقاليدهم وتنميتها!
وسيقولون للبسطاء من الناس: «ليس بالضرورة أن تناقش الدراما فى عمل واحد مشاكل المجتمع كله.. يكفى شريحة منه أو قضية تخص فئة أو حتى فرداً منه»، ونقول: كم من الأعمال الدرامية ناقش وتناول قضايا فئات بعينها، بل لدينا أعمال كاملة تناقش مشاكل وتضحيات الفلاحين المصريين، وغيرها عن العمال، وغيرها عن ضباط الشرطة، وثالثة عن المرأة العاملة، ورابعة عن المحالين إلى المعاش.. لكنها كلها كلها، وبلا استثناء، طرحت المشاكل وناقشت الأزمات وقدمت الحلول وبشرط مهم، أن لا يساهم ذلك فى تضاعف المشكلات أو تعقيد الأزمات أو الخروج بخسائر أسوأ من المشكلة الأصلية!
سيقولون للبسطاء من الناس: «هذا هو الإبداع، ويجب أن يكون حراً لا سقف له، والمجتمع عليه أن يفرز بنفسه دون وصاية، وكفانا قمعاً وإغلاقاً للنوافذ، وهذا سبب تخلفنا»، ونقول نحن بدورنا للبسطاء من الناس: طبعاً يجب أن يكون حراً وبلا قيود، بشرط واحد وحيد لا يشكل أى قيود وهو أن يكون إبداعاً فعلاً.. والفرق بين الإبداع والانحطاط كبير كبير.. فالإبداع أن تفيد المجتمع وليس الترويج لسلوك فئة ما مستغلاً أوسع الوسائل انتشاراً.. والإبداع أن تصدم الناس ليستفيقوا من غيبوبة أو من التغييب لكن لا يعنى أن تتصادم معهم وتخوض معركة ضد قيم لمصلحة ما تعتقد أنه قيم!
وسيقولون للبسطاء من الناس: «هكذا المنافسة فى عصر السماوات المفتوحة لا يمكن أن تقيده أو تمنعه، والجيد سيهزم الردىء وسيكشفه»، ونقول للبسطاء هؤلاء أيضاً: فرق كبير بين المنافسة للرقى والارتقاء بالمجتمع وبين المنافسة من أجل الأرباح المادية مهما كانت النتائج وعلى حساب أى شىء وفوق أى شىء.. ومن أجل هذا النوع من المنافسات الرخيصة كان القانون وكانت التشريعات التى تنظم حتى حتى أصول تناول الخمور ولعب القمار!
وسيقولون للبلهاء من الناس هذه المرة: «إن العبرة فى رأى المشاهد، وقد حقق مسلسلنا أكبر نسبة مشاهدة، ويكفى الجدل الذى أحدثه وهذا دليل نجاح»! ولهؤلاء معاً نقول: آسف يا افندم منك له لها.. لو ذكرنا إحصائيات عن أسوأ السلوكيات وأسوأ الأعمال التى قُدمت على الشاشة وأسوأ ما قُدم مما يُنسب للغناء وعلى المواقع الإباحية وعن الفضايح الكبرى وخصوصاً للمشاهير، وعن الجرائم الاجتماعية المخجلة سنكتشف أرقاماً قياسية صادمة تؤكد وجود مشكلة فى المجتمع وليس العكس!
هنا سيقولون: «هذه هى أحوالنا الآن.. وإن لم تكن تعجبك اذهب وعش فى مجتمع آخر»، ونقول: بل علينا هزيمة مشكلاتنا والتخلص من عيوبنا أو على الأقل حصارها للحد الأدنى.. حتى لو كانت عيوبنا فى نخبتنا وأزمتنا فى بعض فنانينا، ولن نترك لأحد تبرير الانحطاط والبذاءة وسوء الخُلق واختراق مجتمعنا مهما كان الثمن!
وهكذا.. كل التبريرات لأصحاب العمل متهافتة ولا معنى منها ولا محل لها، وكلها محاولات يائسة للترويج لباطل، والدفاع عن عار طال الدراما المصرية ويجب غسله.. لقد قدمت السينما دور المرأة اللعوب.. قدمته شادية فى «اللص والكلاب»، وكانت فتاة ليل ومدمنة، وقدمته هى نفسها فى «زقاق المدق» وكان على أروع ما يكون كتابة وأداء.. وقدمه فيلم «الرجل الثانى» لرشدى أباظة وسامية جمال، وكان الفيلم فى معظمه داخل ماخور وعلبة ليل ومع ذلك قدموه على أروع ما يكون، وقدمت السينما الانهيار الاخلاقى فى «ثرثرة فوق النيل»، وهو فيلم يمكن لأى أسرة أن تراه مجتمعة ولا تخجل منه، وفى السبعينات قدمت السينما الخيانة الزوجية فى «العذاب فوق شفاه تبتسم» لنجوى إبراهيم ومحمود يس، وكان التناول على أفضل ما يكون.. وكل ذلك كان على الشاشة الفضية، فما بالنا بالدراما التليفزيونية؟!
وبالمناسبة حتى الدراما التليفزيونية قدمت الزوجة اللعوب فى «أحلام الفتى الطائر» دون أن نشعر بأى خروج عن الأدب، وقدمت الراقصة فى أكثر من عمل، فكانت العالمة سماسم وخليفتها حمدية فى «ليالى الحلمية»، وقدمت الرشوة والمخدرات وتجارتها وتعاطيها وترك بيت الأسرة والحمل الحرام، وكلها بالفعل نماذج فى المجتمع لكنها قُدمت بالشكل اللائق وبما يخدم فكرة مواجهتها كلها والحد منها وليس العكس!
صدمة الناس فى المسلسل المقصود كبيرة.. وصدمتنا بصدمتهم أشد.. حتى إننا ننقل نصاً لأحد التعليقات التى وصلتنا من إحدى القارئات يكفى لمحاكمة أصحاب العمل، حيث انفجرت بالغضب وقالت حرفياً:
«جرّبى الحشيش عادى واشربيه مع جارك المتزوج بس انتى بنت ناس ومش بتحبى الخيانة.. الكافيهات زحمة جداً جداً فالأفضل تروحى مع صاحب صاحبتك بيته عادى يعنى، ما انتى متربية وواثقة من نفسك وكده ومالكيش مزاج تجربى البيرة دلوقتى.
باقولك إيه:
ما تجربى بالمرة تولعى شوية حطب وارمى نفسك فيهم علشان تجربى جزء من نار جهنم.. حبيبك هجرك واتجوز وخلّف، بس لما رجع عادى كملتوا فى الحرام وماله ما هو حبيبك وانت حرة ومودرن بقى طالما فيه بابى ومامى وعايشة فى شقة لوحدك.. وكأن اللى ساكنة لوحدها لازم تكون منحلة أخلاقياً. المحجبة منكوشة ومعقدة وصوتها رجالى أو دايماً عالى بدون سبب أو نايمة على طول وبدون شخصية وبلدى جداً وهى غالباً سبب خيانة زوجها لها.. خسئتم.
إنتى متزوجة وزوجك نصاب بس بتحبيه عادى، بس ما فيش مانع نتزوق لواحد تانى يمكن أدلق ده وآخد ده»!!
فضلاً عن العوازل الطبية وكم الإسفاف فى الحوار الذى لا يعادله فى المسلسل ويتوازن معه حوار محترم آخر يعطى صورة كاملة أو شبه كاملة عن مجتمعنا!
نتذكر الآن ما كتبناه هنا فى هذه الجريدة المحترمة فى سلسلة مقالات عن «مخطط إفشال الدولة» موجودة على أرشيف «الوطن» ولم يكن نقلاً عن أى مركز أو باحث أمريكى أو صهيونى فقط، بل كان ممن سبقهم فى ذلك بسنوات، إذ يقول «يورى بيزمانوف»، عميل المخابرات السوفيتية السابق، إنهم كانوا يمارسون عمليات إفشال الدول ووضع أسس انهيارها من الداخل، وذلك باستهداف أربعة أعمدة فى أى مجتمع، منها استهداف القيم والأخلاق من خلال محاولة الاستهانة بها وتحقيرها واستبدالها بقيم أخرى تضرب فى الصميم مناعة المجتمع المستهدَف ليتحول إلى مجتمع آخر بلا أى مناعة، فيسقط من تلقاء نفسه.. حتى بغير عدوان خارجى! فى حين يتولى الآخرون تبرير كل ذلك وتزيينه للناس والدفاع عنه!
الآن.. من يسترد حق المجتمع من صنّاع «سابع جار» وبالقانون؟ ننتظر الإجابة من الأيام المقبلة، وسواء جاءت الإجابة أم لا.. المقاومة مستمرة لكل مخططات إفشال الدولة.. بهدم قيمها أو بأى طريقة أخرى!