لست بصدد الدفاع عن الدكتورة عواطف عبدالرحمن، الأستاذة اللامعة بكلية الإعلام، ضد ما وجّهه لها السفير عز الدين شكرى فشير من هجوم لا أجد مبرراً له، فاسم الدكتورة وعطاؤها العلمى والفكرى والإنسانى قادر بمفرده على النهوض بالرد. لكننى فقط أريد أن أحدث القارئ الكريم عن تجربتى كواحد من تلاميذ هذه السيدة التى تمتلك عقلاً جامعياً مختلفاً كان له أبلغ الأثر فى رسم خرائط تفكير أجيال متعاقبة من خريجى الإعلام فى مصر.
سمة التمرد الإيجابى تعد واحدة من كبرى فضائلها. عواطف عبدالرحمن بطبيعتها شخصية متمردة، ذلك التمرد الإيجابى الباحث باستمرار عن الأفضل، تمتلك عقلاً يمتلك المهارة والقدرة على كسر القوالب النمطية الجامدة فى البحث العلمى، وتحدّى الثابت والمتفق عليه. ما أكثر الأفكار الجديدة التى وضعتها على خريطة العقل الإعلامى العربى. هذه السيدة كانت أول من اهتم بالإعلام الأفريقى، وإعلام أمريكا اللاتينية، وأدوار الإعلام فى مقاومة الاستعمار الاستيطانى فى التجربتين الجزائرية والفلسطينية، هى التى وضعت البحوث المستقبلية على أجندة البحث العلمى الإعلامى، ونبهت إلى أهمية المدرسة النقدية وضرورة تمثل أفكارها ومفاهيمها فى بحوث الإعلام.
عبر تاريخها الجامعى، قدمت عواطف عبدالرحمن نموذجاً للباحث المثقف الواعى والمنشغل بقضايا وطنه وأُمته، وتقبلت راضية الثمن الذى يصح أن يدفعه مَن يؤمن بأن أستاذ الجامعة ليس مجرد «خوجة» يعلّم ويلقّن، بل هو «دور» ورافعة نهوض بالمجتمع، من خلال التحريض على الإبداع والتفكير الحر وتحدى الثوابت، والالتحام مع قضايا الوطن والأمة. كانت عواطف عبدالرحمن من ضمن مئات الرموز الفكرية والوطنية التى تم التحفظ عليها فى قرارات سبتمبر 1981 الشهيرة أواخر عهد الرئيس السادات، ودفعت راضية ثمن مواقفها الوطنية ضد التطبيع مع العدو الإسرائيلى، وضد استبداد السلطة. وبعد رفع هذا الظلم عنها وعن غيرها ممن تم التحفظ عليهم عام 1981 خرجت عواطف عبدالرحمن لتواصل مسيرتها فى تعليم طلابها وباحثيها، مع عزم لا يلين بالالتحام بقضايا وطنها وأمتها، دون أن تخشى فيما تؤمن به لومة لائم. وحتى يومنا هذا لا تزال عواطف عبدالرحمن تبحث وتكتب وتنتج. من حق أى متابع لكتاباتها أن يتفق أو يختلف مع ما تطرحه من أفكار أو ما تخلص إليه من نتائج، لكن الاختلاف له أصول وآداب، خصوصاً إذا كان مع قامة بحجم الدكتورة عواطف. اختلف مع مَن شئت كيف شئت، مع مراعاة احترام الكبار بعطائهم، وعدم بخس الناس أشيائهم.
أعرف هذه السيدة جيداً منذ أن وطئت قدماى كلية الإعلام عام 1981 وحتى يوم الناس هذا. عواطف عبدالرحمن إنسانة صلبة، لا يختلف ظاهرها عن باطنها، جريئة فى الحق، صريحة فى الإفصاح عما تؤمن به، مستقلة فى رأيها عن أى سلطة مهما بلغت قوتها، ناقدة فى رؤيتها، منهجية فى طرح ومعالجة أفكارها وأفكار الغير. فى لحظات عديدة من حياتى كانت -ولا تزال- تجربة هذه السيدة دافعاً لرفض الانحناء والانكسار أمام أية قوة مهما بلغت، والجرأة فى مواجهة الأفكار البالية مهما تمكنت، والشجاعة الأدبية فى الإفصاح عن الرأى ولو عظم الثمن، والذوبان فى عشق الوطن مهما جار. متَّعها الله بالصحة والعافية، وأدام عطاءها.