لن ينسى المصريون دوماً الرائع عادل إمام فى مسرحية «شاهد ماشافش حاجة» وهو يصرخ مرعوباً موجهاً سؤاله للضابط وهو يستجوبه قائلاً «اسمى مكتوب؟» خوفاً من ورود اسمه ضمن المتهمين بالقتل أو ربما ضمن قائمة زائرى الراقصة المقتولة.
تذكرت هذا المشهد وأنا أتابع الولايات المتحدة الأمريكية وقادتها الذين قرروا الانتقال من عالم القتل والدم والحروب والدمار إلى عالم الكوميديا والنكتة والإفيه، وتقديم اسكتشات وكلمات ومواقف تدخل التاريخ من باب الضحك والفكاهة بدلاً من الحزن والبكاء.
مندوبة الإدارة الأمريكية فى الأمم المتحدة السيدة «نيكى هيلى» هددت الدول الأعضاء أنها ستكتب اسم كل دولة تصوت ضد القرار الأمريكى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستسجل القائمة فى أجندتها الخاصة.
«هيلى» قالت فى تدوينة لها على «تويتر» إنها ستسجل أسماء المعترضين على القرار الأمريكى وسترسلها إلى الرئيس دونالد ترامب. ولم تكمل، لماذا ستفعل ذلك؟، حيث أكمل الرئيس الأمريكى الجملة معلناً أنه سيقطع المعونة والمساعدات عن هذه الدول.
الحقيقة نحن أمام مشهد بالغ الهزل و«المسخرة» وغير مسبوق فى تاريخ المنظمة الأممية العتيدة البالغة من العمر 72 عاماً، حين يهدد مندوب فى الجمعية العمومية الدول الأخرى ويحذرهم بأنه سيكتب اسمه ويرسله إلى السيد ناظر المدرسة.
ويبدو فعلاً أن «ترامب» تصوَّر نفسه ناظر المدرسة، فكتاباته وتويتاته تقول إنه ينظر للعالم كله بنظرة «المتعالى المتعجرف» المتحكم فى إمبراطورية المال والاقتصاد فى العالم كله، حتى إنه نجح فى توريث هذه الروح إلى معاونيه ومساعديه ومنهم السيدة «هيلى».
كنا نحلل ونتحدث فى الماضى عن استخدام المعونات الأجنبية فى التوجيه السياسى للدول والتعامل معها باعتبارها أدوات للضغط من وراء الستار، لكن ولأن «ترامب» من خارج المؤسسات التقليدية، فهو قد قرر إخراج أدوات الضغط من داخل الغرف إلى خارجها، وتحويلها من أدوات سرية إلى علنية، والتلويح بها فى وجه من يصور له عقله أنه قادر على مخالفة «هرقليس».
حتى كتابة هذه الكلمات لم تبدأ الجمعية العامة جلستها التصويتية على رفض القرار الأمريكى، ومن غير المعروف بالطبع نتيجة عملية التصويت، وفى تقديرى بالقطع أن المجتمع الدولى سيساند الحق الفلسطينى، لكن الأهم فى الحقيقة هو هذا الموقف الأمريكى الكوميدى بالغ «الانحطاط».
فى ظنى أن أى إفراط فى تحليل الموقف سيزيد من «هزلية» الحالة السياسية التى تفرضها أمريكا على المجتمع الدولى، فنحن أمام حالة بلطجة سافرة وترويع لدول العالم وتهديد لمصالح شعوبها، وأول إظهار لروح «اليانكى» منذ إبادة الجنس الهندى من على أرض الساحل الغربى.
يا ترى هل سيقف مندوب كل دولة بعد التصويت موجهاً كلامه إلى السيدة هيلى متسائلاً «اسمى مكتوب؟»، أم ستقف المندوبة الأمريكية لكل مندوب محذرة إياه قبل التصويت «حاكتب اسمك يا واد»؟!.