(1)
بدأت الحروب على جبهة واحدة.. هى الأرض، ثم تطورّت الحروب فصارت على جبهتين: الأرض والبحر. ثم جاء القرن العشرون بتطوّر كبير.. حيث جرى استخدام الطائرات.. وشهدت الحرب العالمية الأولى ثلاث جبهات للقتال: الأرض والبحر والجو.
واليوم يتحدّث عسكريون حول العالم عن الجبهة الرابعة.. وهى الفضاء. إنهم يتحدّثون أيضاً عن أن «الجبهة الرابعة» ستكون -زمنياً- هى ميدان الصراع الأول.. وأن الحرب الكبرى الجديدة.. أو الحرب العالمية الثالثة.. ستبدأ من الفضاء.. ثم تتجّه إلى الجبهات الثلاث.
لن تكون جبهات الأرض والبحر والجو.. هى الجبهات الحاسمة للنصر أو الهزيمة.. لكن الجبهة الرابعة هى ما ستحسم مسار الحرب.. وتضع نهايتها.
(2)
ستكون معارك «الجبهة الرابعة» أو «حرب الفضاء» هى معارك علميّة بالأساس.. ذلك أنها تتضمّن تدمير الأقمار الصناعية. سيكون الهدف إلغاء عصر الأقمار الصناعية تماماً.. لن تكون هناك أقمار اتصالات، ولا أقمار تجسس، ولا أقمار ملاحة. لن يعمل نظام (GPS) الأمريكى، ولن يعمل نظام تحديد الأماكن الروسى والصينى البديل.
لقد قطعت القوى الكبرى أشواطاً هائلة فى الاستعداد لمعارك «الجبهة الرابعة». بدأت أمريكا فى عهد الرئيس رونالد ريجان عبر استراتيجيته الشهيرة بـ«حرب الكواكب». . مضت سنوات على مبادرة الدفاع الاستراتيجى وأصبحت أمريكا اليوم أكثر قدرة فى إدارة حرب الفضاء.
تمتلك واشنطن قدرات هائلة لإعادة العالم إلى الوراء.. كما تمتلك موسكو «منظومة رودولف» لضرب الأقمار الصناعية.. أو تعطيلها تماماً.. وفى عام 2015 قامت روسيا باختبار صاروخ بعيد المدى لتدمير الأقمار الصناعية. إن الصين ليست بعيدة عن هذه القدرات.. وتحاول دول أخرى أن تكون جزءاً من حركة العلم، والعلم المضاد.
لقد أنفقت أمريكا أكثر من (100) مليار دولار من أجل «أمن الفضاء».. كما أنفق آخرون الكثير.. لكن الفضاء قد لا يكون آمناً من جرّاء التطوير المتوازى لإنهاء هذا الأمن. ويرى البعض أنه فى حال نشوب حرب عالمية.. سوف يتم إلغاء عصر الفضاء تماماً، وإنهاء المشهد الحالى.. والعودة إلى مستوى الحرب العالمية الثانية.. أو عصر ما قبل الأقمار الصناعية.
(3)
لقد عادت «صفارات الإنذار النووية» إلى جزر هاواى الأمريكية.. بعد أن اختبرت كوريا الشمالية صواريخ باليستية قالت إنها يمكن أن تصل إلى أى مكان فى الولايات المتحدة. وعلى أثر ذلك بدأت «وكالة الدفاع الصاروخى»، المسئولة عن حماية أمريكا من الضربات الصاروخية، فى معاينة مناطق فى كاليفورنيا لنشر منظومة الدفاع الجوى «ثاد» استعداداً لمواجهة الخطر الذى كان بعيداً.. لكنّه بات يقترب.
وبالتوازى مع ذلك، توالت تقارير تليفزيونية للتوعية بأهمية الاستعداد لحرب جديدة.. وبثّت محطة CNN الكثير عن جغرافيا «المخابئ النووية».. وماذا يمكن أن يفعل الناس حين يتوجّب عليهم الهرولة إلى «ملجأ نووى».
ومع تقارير الإعلام.. تحدّث أعضاء فى الكونجرس عن ضرورة صيانة الملاجئ النووية.. التى وصلت فى عام 1963 إلى (17) ألف ملجأ نووى.. تتسّع لقرابة (11) مليون شخص.. لكنها لم تعد كذلك الآن.. لا فى المستوى ولا فى العدد.
(4)
لا يبدو العالم خطيراً إلى هذا الحدّ.. وجانب من «صحافة الفزع» السائدة فى العالم تستند إلى السيناريوهات الأسوأ أكثر مما تستند إلى الاحتمالات الأكثر واقعية.. لكن حقائق العالم تحمل الكثير من أسباب القلق.
ومن المؤسف.. أن يصحو العالم ذات يوم.. وقد عادت الحياة إلى مستواها السابق قبل عقود.. أو ربما مستواها الأسبق قبل قرون. إن مأساة الحرب فى «الجبهة الرابعة».. أنها ليست معارك ضدّ جيوش.. لكنها معارك ضدّ العلم.
لن يكون العدوّ وحده فى خطر.. بل ستكون الحضارة كلها فى خطر.. هى ليست حرباً من أجل الجغرافيا.. بل هى حرب ضدّ التاريخ.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر