منذ ميلاده، عاش المسيح -عليه السلام- حياة مهددة، فلك أن تتوقع حال طفل كان ميلاده معجزة، ثم خاطب قومَه، فيما لا يزال فى المهد صبياً. وهى المعجزة التى أقرها القرآن لـ«عيسى»، ولم تذكرها غيره من الكتب السماوية. يقول ابن كثير فى «البداية والنهاية»: «وقال إسحاق بن بشر، عن جويبر ومقاتل عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: وكان عيسى يرى العجائب فى صباه إلهاماً من الله، ففشا ذلك فى اليهود، وترعرع عيسى، فهمّت به بنو إسرائيل، فخافت أمّه عليه، فأوحى الله إلى أمِّه أن تنطلق به إلى أرض مصر، فذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابنَ مَرْيمَ وأمَّهُ آيَةُ وآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ ومَعَينٍ)».
كان بنو إسرائيل يعلمون أنه نبى صاحب معجزات، لكنها المصالح، التى كان لديهم كامل الاستعداد للدفاع عنها، حتى ولو كان بالقتل، كما فعلوا مع يحيى وزكريا. بنو إسرائيل والرومان كانوا متحسّبين من أى خطر يمكن أن يزلزل أركانهم، وقد رأوا بأعينهم كيف تمكّن نبى الله يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) من تحرير عقول وأفئدة كل مَن اقترب منه. كان «المعمدان» يغسل رؤوس التائبين من بنى إسرائيل بماء نهر الأردن، حتى ظنّ بعضهم أنه المسيح، سألوه إن كان؟، فأجاب بأنه ليس هو، أكد لهم أنه يعمّدهم بالماء ليمهد الطريق لصاحب «معمودية النار». كان مصير «يوحنا» الذبح بإيعاز من «سالومى» صاحبة رقصة «الغلالات السبعة» التى هزت جسدها أمام الإمبراطور الرومانى «هيردوس»، فانتشى، وفى غمرة نشوته طلبت منه رأس «المعمدان»، فقطعه، ووضعه بين يديها. تعالوا نبحر فى كتب التراث، لنستكشف ما قالته حول معالم الرحلة المقدسة.
لم يكن أمام مريم سوى أن تفر بوليدها إلى أرض أكثر أمناً حتى تحافظ على حياته وتكتمل رسالته. كان الفرار إلى مصر، وهى الأرض التى شاء الله تعالى أن يسوق نبيه يوسف إليها، ثم وفد إليها الأسباط الأحد عشر، ونبى الله يعقوب، ومن نسل بنى إسرائيل فى مصر جاء نبى الله موسى. يقول ابن الأثير، فى كتابه الكامل فى التاريخ: «واحتملته مريم إلى أرض مصر فمكثت اثنتى عشرة سنة تكتمه من النّاس، فكانت تلتقط السنبل والمهد فى منكبيها».
وظهر للمسيح بمصر العديد من المعجزات. يقول «ابن الأثير»: «سُرق مال للدهقان (رئيس القرية) الذى نزلت عنده مريم وابنها، فحزنت مريم، فلمّا رأى عيسى حزن أمّه قال: أتريدين أن أدلّه على ماله؟ قالت: نعم، قال: إنّه أخذه الأعمى والمقعد، اشتركا فيه، حمل الأعمى المقعد فأخذه، فقيل للأعمى ليحمل المقعد، فأظهر العجز، فقال له المسيح: كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال؟ فاعترفا وأعاداه. ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عندهم شراب، فاهتمّ لذلك، فلمّا رآه عيسى دخل بيتاً للدهقان فيه صفّان من جرار فأمرّ عيسى يده على أفواهها وهو يمشى، فامتلأت شراباً، وعمره حينئذٍ اثنتا عشرة سنة. وكان فى الكتّاب يحدّث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما كانوا يأكلون».