بالصدفة تواكب استماعى لكلمات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى السبت الماضى وهو يقول «سيناء أرضنا وسنضع حداً للإرهاب الموجود فيها»، مع مطالعتى مقالاً منشوراً فى «نيويورك تايمز» ينتقد تجاهل القاهرة العروض الأمريكية فى مواجهة «التمرد بسيناء».
المقال كان مكتوباً فى مناسبة زيارة نائب الرئيس الأمريكى للقاهرة، التى تم تأجيلها، ويرى أن المصالح الأمريكية تضررت بشدة بسبب سياسات الرئيس عبدالفتاح السيسى، معتبراً العلاقات الاستراتيجية بين البلدين «صفقة سيئة لأمريكا».
عنوان المقال «فى الحقيقة مصر حليف رهيب» ومن متون المقال فإن مصر حليف ردىء أو سيئ لأنها تسببت فى الإضرار بالمصالح الأمريكية ولم تُبقِ على مصلحة واحدة مشتركة.
ورغم تعدد الانتقادات فإنك تتلمس أزمتين رئيسيتين تمثلان للجانب الأمريكى ضرباً بعنف فى مفهوم العلاقات الاستراتيجية، ومن الجلى أنهما مرتبطتان برؤية لمستقبل المنطقة.
الأزمة الأولى أن القاهرة «تجاهلت باستمرار العروض الأمريكية لتدريب القوات المصرية فى مذهب وتكتيكات مكافحة التمرد التى يمكن أن تساعد فى هزيمة التمرد فى سيناء».
ومع تجاهل توصيف المقال للإرهاب بأنه «تمرد» فإن السؤال ما هو مفهوم العروض الأمريكية وما معنى «مذهب وتكتيكات»؟ وإذا ما كانت تقترن بوجود قوات أمريكية على أرض سيناء؟ أو مثلاً قوات جوية للمساندة كغطاء؟ ويبقى السؤال ما الذى يدفع مصر لرفض تدريبات تساعد على مواجهة الإرهاب إلا إذا كانت مقترنة بوجود عسكرى على الأرض؟
أما الأزمة الثانية فتتمثل فى ما قاله كاتبا المقال بأنه «تم القضاء على أى شكوك فى أن مصر قد توقفت عن أن تكون شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة مع توقيع الاتفاق الأولى بين مصر وروسيا على منح الوصول المتبادل للقواعد الجوية لبعضهما البعض».
المقال اعتبر الاتفاق مع روسيا قد تسبب فى أضرار بالغة حيث «انخفضت أهمية وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوى المصرى»، و«حديث الامتيازات الأمريكية فى قناة السويس مبالغ فيه بشكل كبير. وخلافاً للحكمة السائدة فإن البحرية الأمريكية لا تتلقى امتيازات على رأس الخط حيث يمكن للسفن لدينا القفز قبل السفن الأخرى».
نحن إذن أمام حالة مهمة، ورغم أنها مجرد مقال كما يقول البعض فإن كاتبَى المقال ووظائفهما السابقة والحالية مؤشرات على أنها كاشفة للعديد من الأزمات التى تمثل بوادر لتغير مهم منتظر وتصعيد أكثر حدة فى المواقف تجاه مصر فى المستقبل القريب وعلى الأخص من داخل الكونجرس.
فى المقال العديد والعديد من المؤشرات والوقائع والتوصيفات ذات الدلالات الاستراتيجية الخطيرة مثل حديث ليبيا ودعم مصر لقوات حفتر فى مواجهة الحكومة المؤيدة من أمريكا، ودور مصر فى سوريا وفلسطين وتجاه إسرائيل وفى مجلس الأمن ونصائح لكيفية الضغط على مصر بالمعونات والمعدات العسكرية وسط أزمة الإرهاب والأوضاع الاقتصادية القائمة.
إن حديث سيناء ومستقبل الدولة الفلسطينية وإسرائيل ومحاولات تدويل شبه الجزيرة ودخول القوى العظمى فيها واستباحة السماء المصرية ليست مجرد «تخاريف» أو مؤامرات مزعومة إنما واقع حى قائم يحاولون الوصول له بكل الوسائل.
سياسة استقلال القرار الوطنى المصرى، التى يتبعها السيسى، تواجه تهديدات وتحديات متصاعدة، وهو قد أعلن بوضوح السبت الماضى: «أنا مابخافش من التهديد الخارجى ولا تخافوا منه»، وهى تصريحات لها أهميتها إذ صدرت -ولو بالصدفة- بعد أربعة أيام من نشر المقال الأمريكى.
أى خلافات فى أوضاعنا الداخلية يجب أن تتراجع أمام محاولات تهديد استقلال القرار الوطنى.